Site icon IMLebanon

لبنان والأردن وبلجيكا… لتوضيح الصورة

لماذا يشعر اللبناني بأنه لم يعد قادرا على تحمّل المزيد من الضرائب، رغم ان نسبة الضرائب والرسوم الى الناتج المحلي، وهي الطريقة المُعتمدة عالميا لاحتساب تأثير الضرائب، ليست مرتفعة (17 ٪ من دون الزيادات المقترحة) في حين ان دولا أخرى قد تصل فيها النسبة الى أكثرمن 50 ٪ من الناتج المحلي؟

يطيب للبعض أن يجري مقارنات لتبرير الزيادات الضريبية المقترحة في مشروع الموازنة للعام ٢٠١٧، ويستعين للغاية ببعض الأرقام من دول تشكّل نسبة الإيرادات الضريبية فيها الى الناتج المحلي حوالي ٥٠ في المئة، كما هي الحال في فرنسا مثلا.

كذلك تشكّل الإيرادات الضريبية في معظم الدول الأوروبية والدول الصناعية نسبا مرتفعة تتراوح بين ٣٥ و٤٥ في المئة من الناتج. (هذا النموذج من المقارنات تابعناه في “كلام الناس” مع ضيوف الزميل مرسيل غانم في حلقة حول الضرائب والموازنة).

يعتبر هؤلاء ان نسبة الضرائب في لبنان الى الناتج المحلي، والتي تبلغ حاليا حوالي ١٧ في المئة، لا تزال منخفضة ويمكن رفعها الى حولى ٢٢ في المئة، كما تنصّ الاقتراحات القائمة في مشروع الموازنة الجديد. لكن يغيب عن بالهم ان الثغرة في هذه المقارنة واضحة في نقاط عدة، من أهمها تلك المتعلقة بتوزّع النسب بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة.

على سبيل المثال ، اذا أردنا اجراء مقارنة منطقية بين لبنان وبلجيكا حيث تعتبر الضرائب من الأعلى في العالم، وإذا شئنا ان نعتمد مقياس نسبة الضرائب على الناتج المحلي، يتبين لنا التالي:

تبلغ الإيرادات الضريبية في بلجيكا حوالي ٤٧ ٪‏ من الناتج المحلي الذي يصل الى حوالي ٤٢٠ مليار دولار. وفي الحسابات المعتمدة ان معدل دخل الفرد الواحد من الناتج المحلي هو حوالى ٣٨ الف دولار على اعتبار ان عدد السكان هو حوالى ١١ مليون نسمة. وبذلك تكون حصة الفرد من الضرائب حوالى ١٧ الف دولار سنويا، اي ما يتجاوز ألحد الأدنى السنوي للاجور المعتمد في البلد (حوالي ١٢ الف دولار.)

اذا أجرينا العملية الحسابية نفسها في لبنان، يتبيّن لنا ان معدل الفرد من الناتج المحلي هو حوالي 12.500 دولار، على أساس ان مجموع الناتج هو ٥٠ مليار دولار وعدد السكان أربعة ملايين نسمة. وهذا يعني ان معدل الفرد من الضرائب هو ٢٥٠٠ دولار. هذا الرقم يبدو مقبولا للوهلة الاولى قبل اعادة الحساب على أساس توزيع نسب الضرائب بين المباشر وغير المباشر.

ما هو أساسي في هذه العملية الحسابية ان المواطن البلجيكي يدفع نظريا ١٧ الف دولار ضرائب سنوية، لكن، عملياً يدفع البلجيكي من الطبقة الوسطى، حوالي ٤ آلاف دولار، وهو معدل الضرائب غير المباشرة التي تلحق بالفرد ، في حين ان القسم الاخر يتحمله الاثرياء ومن يحقق الأرباح عبر الضرائب المباشرة. اي بما يساوي حوالى ٣٣٪‏ من الحد الأدنى السنوي للاجور.

اذا اعتمدنا هذه الحسبة في لبنان يتبين ان حصة الفرد اللبناني الفعلية هي حوالى ألفي دولار سنويا من الضرائب غير المباشرة، اي ما نسبته حوالي ٤٠٪‏ من الحد الأدنى السنوي للاجور، على اعتبار ان اكثر من ٧٧٪‏ من الضرائب في لبنان هي من النوع غير المباشر.

وعليه، يتبين ان الفرد في لبنان يدفع اكثر من البلجيكي الذي تعتبر نسبة الضرائب لديه مرتفعة جدا، تغطيها مروحة الخدمات الاجتماعية الواسعة التي تؤمّنها الحكومة للناس، في حين ان مروحة الخدمات التي تقدمها الحكومة اللبنانية لمواطنيها تشمل بضعة ساعات تغذية بالتيار، وبضعة ساعات مياه في الأسبوع، وبعض الطرقات المحفّرة، وتعليم رسمي هزيل، واستشفاء محفوف بالذل…

أما اذا أجرينا مقارنة مع دول تشبهنا، من حيث القدرات الاقتصادية، والخدمات الاجتماعية المتواضعة، واذا اعتبرنا ان الاردن يمكن ان يكون نموذجا لهذه المقارنة، سيتبيّن لنا أن حصة الفرد الاردني من الضرائب عموما هي حوالي 1200 دولار سنويا.

اذا حذفنا من هذا الرقم نسبة الضرائب المباشرة واكتفينا بالضرائب غير المباشرة، سيتضح ان الاردني المتوسط الحال والفقير يدفع حوالي 900 دولار سنويا، هذا الرقم يمثل نسبة 25 % من الحد الأدنى للأجور مقابل 40 % للمواطن اللبناني. مع العلم ان المواطن الاردني يشعر بالظلم جراء هذه النسب من الضرائب، وهي نسب مرتفعة مقارنة مع دول عربية أخرى.

اذا أجرينا المقارنة بواقعية، واحتسبنا الاوضاع والخدمات وانواع الضرائب، سيتبيّن ان اللبناني يدفع أعلى نسب من الضرائب الظالمة في العالم.