Site icon IMLebanon

“نادي قضاة لبنان” العين الحارسة في الوقت الصعب

 

صوت القانون أعلى من عبث السياسيّين

 

القضاء اللبنانيّ هو إحدى السلطات الثلاث التي تحكم لبنان ولها كيان مستقلّ ولا تخضع إلا للقانون. وللقضاء اللبناني مجلس أعلى. وله نادٍ. وله حكايات وحكايات خصوصاً في هذا الزمن الصعب. فالكلّ يتدخل في ما ليس له فيه. السياسيون يُقحمون القضاء في زواريبهم وهو يحاول أن يقول ويُكرر: “نحن نصدر أحكامنا باسم الشعب اللبناني”. والسؤال، هل نجح؟ أين؟ وأين أخفق؟ وهل “نادي قضاة لبنان” ولد في الوقت الصعب ليشدّ أزر المجلس ويكون الصوت الصارخ في برية هذا الزمان؟

كثيرون من أهل القضاء لم يرحبوا بولادة النادي الذي أراد الإنتفاض على كلِ ما يُصنف خنوعاً. فهو ناد إستهواه القضاة الشباب، وعملوا لوجوده، وقيل عنه مع بداية الثورة اللبنانية: “هذا هو النادي الثائر”. وكم واجه تأسيسه من تحديات حتى من قلب البيت، من قلب مجلس القضاء الأعلى نفسه، الذي سعى ذات حين الى عرقلة منحه العلم والخبر. النادي أصبح عمره ثلاثة اعوام تقريباً وهو انتخب هيئتين له. الأولى برئاسة القاضي أماني سلامة (في تشرين الأول 2018) وهي كاثوليكية والهيئة الثانية ولدت قبل أشهر برئاسة القاضي فيصل مكي (في تموز 2021) وهو شيعي. لا مكان للطائفية في مسلمات نادي قضاة لبنان وهذا بالطبع جيّد.

 

إرفعوا أيديكم عن القضاء. النادي قال ذلك بدل المرة مرات. هو ناد يصرخ في بريّة لبنان. وهذا ما شهدناه في موقف النادي الموحد من قاضي التحقيق طارق البيطار.

 

نزار صاغية: النادي ضمانة

 

ما رأي مدير المفكرة القانونية المحامي نزار صاغية؟

 

السبب في ولادة “نادي قضاة لبنان” بحسب صاغية “خلق مساحة للقضاة يتضامنون فيها ويقوون العلاقة مع بعضهم البعض ولا يعودون مستفردين. النادي هو مساحة عامة مشتركة “تمأسس” لتطوير المهنة. هذا هو هدفه وهذا هو أحد الضمانات من أجل استقلالية القضاء”.

 

مجلس القضاء الأعلى الذي يفترض أن يُشكّل الضمانة لقضاءٍ لبناني مستقلّ لا ينتخب من القضاء بل من السياسيين لهذا يستمر ممثلاً لهم لا للقضاة. وهو، بحسب صاغية، يضم قضاة نزيهين وقضاة مرتهنين. وهذا هو المشكل بينه وبين نادي قضاة لبنان، حيث يبرز كمشكل بين القضاة والسياسيين. يضيف: نادي قضاة لبنان لا يأخذ قرارات في المهنة ولا في التشكيلات. لا صلاحية له بذلك. بل هو يدافع عن إستقلالية القضاء ويخرج ببيانات. وهو لا يجامل مجلس القضاء الأعلى ولا يعاديه بل هناك “أدوار مكملة” بين الإثنين. ويفترض أن يشكّل كل واحد منهما ضمانة لاستقلالية القضاء. وهو لا بدّ منه خصوصاً اليوم بعدما أصبح راتب القاضي لا يزيد عن مئتي دولار أميركي وهناك خطر كبير في إستقالة كثير من القضاة الجيدين وهجرتهم وخصوصاً ممن لا يرتهنون. “تضامن قضاة لبنان اليوم أكثر من ضروري من أجل صمودهم ولحمتهم في وجه السياسة والسياسيين”.

 

بيانات نادي قضاة لبنان عالية السقف. إنها صرخة واضحة قوية في وجه كثيرين من السياسيين والفاسدين. وهذا لا بُدّ منه اليوم. ويتشكل النادي حالياً من نحو 20 في المئة من قضاة لبنان، أي نحو مئة قاض من أصل نحو 500. وهذه النسبة ليست بحسب نزار صاغية بسيطة. فقبل كنا نتحدث عن قاضيين أو ثلاثة قضاة “صوتهم عال” أما اليوم فنتحدث عن 20 في المئة من هؤلاء وهذا جيد جداً.

جورج عقيص: النادي ليس ملّة

 

ما رأي القاضي السابق النائب جورج عقيص بنادي قضاة لبنان؟ وماذا عن مقولة البعض أنه “قواتي الهوى”؟ يجيب: “هذا اتهام مشرّف لكنه ليس صحيحاً. فنادي قضاة لبنان يتشكل من قضاة شباب يملكون من العنفوان واحترام الذات والكرامة الكثير، كما أن نشأتهم كانت مليئة بالاشواك والصعاب. وهناك من حاول أن يسحب منهم العلم والخبر. وكثيرون عارضوا إنشاء هذا النادي”. يضيف عقيص: “كل دولة لها أنظمة مصانة عريقة تسمح للقضاة بأن يكون لهم تجمّع مهني يطالب بالحقوق ويرفع الصوت. وهذا ما حصل. نشأ النادي لرفع الصوت بوجوب عدم التدخل السياسي في صلب عمل القضاء. وهدف النادي تحسين العمل القضائي والقول بعدم جواز أن يعامل القاضي بأنه موظف دولة. فالقاضي الذي يعطى صلاحية أن يحكم ويكون مؤتمناً على رقاب الناس وحياتهم يفترض به أن يحمي نفسه أولاً ويلح بطلب إستقلالية القضاء”.

 

هناك من حكى عن إنسحاب القضاة الشيعة، التابعين الى الثنائي الشيعي بالتحديد، من نادي قضاة لبنان فهل ذلك صحيح؟ يعتبر القاضي السابق والنائب جورج عقيص “أن وجود فيصل مكي دليل أن لا انسحاب شيعياً من النادي الذي لا اعتبارات طائفية فيه، وهذه من حسناته. فالنادي ليس مجلس ملّة بل مجلساً لديه طروحات قيّمة”.

 

ليست المرة الأولى التي ينشأ فيها في لبنان ناد أو مجلس أو جمعية من رحم قضاة لبنان. في العام 1969 نشأت “حلقة الدراسات القضائية” لكنها سرعان ما تلاشت. السياسيون بدوا أقوى منها. فما الذي يضمن ألاّ يتكرر ما حصل من زمان مع نادي قضاة لبنان اليوم خصوصاً أن النادي يُقلق الطاقم السياسي وكثيرون من الطاقم القضائي؟

 

نزار صاغية يتذكر “حلقة الدراسات القضائية” التي شكلت إنجازاً كبيراً يومها ويقول “شهدت فرنسا عام 1968 أول إنجاز قضائي بتأسيس أول نقابة قضائية هناك وفي لبنان حصل ذلك بعد سنة واحدة في 1969. لكن، لم يتسنّ لها في لبنان أن تعيش طويلاً، فحين بدأوا يتحدثون يومها عن التشكيلات تقرر نسفها. ماتت الجمعية في مهدها في العام 1971. ومذاك الى حين إنشاء النادي في 2018 نحو 47 عاماً بلا جمعية للقضاة في لبنان. السياسيون لم يريدوا ان يكون للقضاء إستقلالية واستفادوا من الوقت الضائع، حروب ومشاكل في لبنان، ولو وجدت لكان القضاء اليوم بألف خير”.

 

جورج عقيص يتحدث بدوره عن “الثورة القضائية” في العام 1969 التي ضمّت خيرة قضاة لبنان. لكن السياسيين خافوا دائماً من إستقلالية القضاء وسعوا لإجهاض أي حركة فيها عنفوان. ويتذكر عقيص أيضاً ان تلك الحركة، قبل 47 عاماً، كانت وراء إنشاء صندوق تعاضدي للقضاة”. عقيص الذي يستفيض في الكلام عن إيجابيات وجود النادي يحذر “أن يُشكّل ذلك النادي أي تنافس أو تضارب مع مجلس القضاء الأعلى الذي يبقى السلطة الأعلى. لذا الإنسجام يبقى مطلوباً دائماً بين الإثنين. وأعتقد أن المجلس بإمكانه أن يعتبر النادي سنداً له”.

 

وجود نادي قضاة لبنان أكثر من ضروري لتحقق الإصلاح داخل القضاء ويقول صاغية “القضاء ليس مفعولاً بل فاعلاً واستقلالية القضاء ضرورة. ونادي قضاة لبنان يمثل “التيار الإستقلالي داخل القضاء اللبناني. وأحلى ما في النادي أن القاضي يشعر بأنه ليس في حاجة الى حماية سياسية من أحد ولا من طائفة”. ويستطرد رداً على سؤال ما إذا كان النادي قد أزعج البعض بالقول: “صحيح ذلك. فحركة أمل هاجمت النادي وشككت بمشروعيته على خلفية دفاعه عن إستقلالية طارق البيطار” أضاف “القوى التي نهبت البلد طوال عقود ثلاثة لم تعد تقدر أن تسمع شيئاً عن إستقلال القضاء”.

 

النادي يزعج الكثير من السياسيين. وهو الذي يُصدر بيانات “واضحة” لا مسايرة فيها لأحد. والسؤال، هل شهدت “المفكرة القانونية” في الآونة الأخيرة بعض التقارب بين نادي قضاة لبنان ومجلس القضاء الأعلى؟ يجيب صاغية: “طالما كلاهما في “العدلية” فلا بُدّ أن يكون هناك نوع من التقارب بينهما وقد يلتقيان أو يختلفان. وأعتقد أن كليهما شعَرا في الآونة الأخيرة أن هناك هجمة غير مسبوقة على القضاء وعليهما أن يكونا متضامنين. لكن، هذا لا يعني أنهما اتحدا وباتا واحداً. فإذا أراد مجلس القضاء الأعلى أن يُصلح نفسه عليه أن ينسق مع الشباب في النادي والنادي بدوره بحاجة الى إجراء حوار مستمر مع المجلس”.

 

هناك من حاول (وقد يحاول البعض) أن ينشئ نادياً آخر أو جمعية ما للقضاة لكنها تستمر في إطار المحاولات غير الجدية. إنها محاولات لم تسفر عن نتائج. يبدو أن من سعى من زمان الى خلق نقابات كما الفطر لشرذمة قراراتها يحاول اليوم أن يكرر ذلك مع القضاء. لكن، ما يمكن قوله اليوم أن لا نادي للقضاء إلا نادي قضاة لبنان.

غالب غانم: لا تضارب

 

ما رأي رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق غالب غانم؟

 

يتذكر القاضي غانم وجود “حلقة الدراسات القضائية” قبل دخوله القضاء ويقول “أنا دخلت الى السلك القضائي عام 1972. وقد حصل تحرك ضاغط آخر لاحقاً في أواخر السبعينات في العدلية في اتجاه تشكيل تجمع معارض لإيصال مطالب القضاة الى مجلس القضاء الأعلى، الى أن تأسس في العام 2018 نادي قضاة لبنان” أضاف “في كل بلاد العالم المتقدم هناك جمعيات للقضاة. في فرنسا ثلاث جمعيات على الأقل. واحدة للقضاة المحافظين وثانية للقضاة اليساريين وثالثة للمستقلين. أما في لبنان فيتشكل النادي من الشباب وأنا لست ضدّ هذا النوع من التجمعات شرط ألا تؤثر على صلاحيات مجلس القضاء الأعلى منعاً للتضارب”.

 

كل قضاة لبنان تحت خيمة مجلس القضاء الأعلى أما النادي، بحسب القاضي غانم “فهو جمعية لها صلاحيات محددة” ويستطرد بالقول “تسييس القضاء الأعلى خطأ كبير وخطير، فإذا حصل ذلك من السياسيين فهو خطر وإذا أتى من القضاء فهو خطر أكبر. فإذا أراد السياسي التسلل الى القضاء فالقاضي يفترض أن يعترض. وإذا لم يفعل فليس بقاض ولا بعادل”.

 

 

بيانات نادي قضاة لبنان تتكلم دائماً عن التدخلات السياسية الفاقعة في القضاء فماذا تقول تجربة غالب غانم في رئاسة مجلس القضاء الأعلى؟ يجيب: “محاولات التدخل على نوعين، من السلطة التشريعية، عبر المجلس النيابي والقوانين، ومن السلطة التنفيذية التي يبرز تدخلها اكثر خصوصاً على صعيد التشكيلات القضائية” ويستطرد بالقول “تحدث التدخلات في بلاد العالم كلها ومهمتنا دائماً أن نمنعها. ويفترض أن يكون القضاء موحداً لا مشرذماً. وإنشاء ناد ليس معناه شرذمة مطلقاً”.

 

نحن في لبنان بحاجة ماسة الى تجديد في الذهنية السائدة و”نادي قضاة لبنان”، من بياناته، يشي بأن صوت القضاة يبيت أعلى وأقوى على قاعدة “ليس كل طير يؤكل لحمه”. ثمة قضاة في لبنان يعلنون اليوم بالفم الملآن: “من له أذنان فليسمع صوت القانون جيداً، وليتوقف عن العبث في آخر حصن في فكرة الدولة”.