يسود التحفظ لدى حلفاء سوريا، في تحليل الخطوة الروسية بسحب القوة العسكرية الجوية. ويلمّح أحد قياديي «8 آذار» الى تبلور معالم صفقة أميركية ـ روسية، لأن واشنطن وموسكو أنجزتا «تفاهماً» كبيراً في محطتين أساسيتين، مؤشراته للوهلة الأولى كانت بسيطة وصغيرة، ولكن تبين أنها خطوة متصاعدة:
اولا: وافق الجانب الأميركي على بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم حتى انتهاء الولاية الرئاسية الحالية (2021)، مع إبقاء السعي لإنجاز خريطة طريق تؤدي الى الوصول لحكومة ائتلافية موسعة. وقد عمد الرئيس باراك أوباما الى تغطية سياسية نارية كثيفة لهذا التوجه من خلال مواقفه تجاه السعودية وتركيا مع «اتلانتيك».. مع تجميد احتمال التدخل البري التركي بعد معارك نبّل والزهراء وريف حلب وشمال اللاذقية.
ثانيا: الهدنة التي أعلن عنها، والتي وصفها وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأنها أكثر مما هو متوقع، والتي كان لها وقع السحر على الساحر، بحيث هدأت الجبهات في الزبداني ودرعا والغوطة وحمص.. صحيح هناك مناوشات محدودة وبعض الغارات الموضعية على «داعش»، لكن على امتداد الأرض السورية سادت الهدنة، لأن الخطة هي تمديد الهدنة، بمعنى أن ما كان في الماضي حلماً مستحيلاً أصبح الآن أمراً قائماً على كل الأراضي السورية، وتوقف القتال في كل المحاور فعليا، باستثناء مناطق «داعش».
هاتان الخطوتان تؤشران الى ان الجانبين الروسي والاميركي يكملان صعوداً باتجاه التسوية، لكن ملامح التسوية الكبرى وتقاسم النفوذ غير واضحة بعد. ربما يكون هناك تباين روسي ـ سوري من بعض الأمور. مثلا لم يكن النظام السوري موافقا على الهدنة لأنها جاءت في توقيت حساس كان يحقق فيه تقدما ميدانيا كبيرا في حلب ويتجه لحسم المعركة فيها، وكان يريد إكمال سيطرته عليها على أن تنفذ الهدنة لاحقا. وهناك انزعاج سوري من طرح الفدرالية، وهناك خمس دول في المنطقة على الأقل ترفض الفدرالية وهي مصر والعراق وسوريا وتركيا وايران، لأن الفدرالية أول ما تعني دولة كردية.
صحيح أن ملامح خطة التسوية غير واضحة بصورة نهائية، ولكن الاتجاه هو لفرض التسوية. لكن هل تؤدي الى الفدرالية؟ الجانب السعودي يقبل بالفدرالية على قاعدة أن بشار الاسد الذي يحكم سوريا لن يعود حاكماً بل يصبح حاكماً على دولته، لكن الخلاف هو على دمشق. والواضح هو تسارع الأحداث وضغط روسي ـ أميركي كبير لإنجاز التسوية. الأكيد أن الروس وصلوا عسكرياً الى سوريا متأخرين وبكّروا في الخروج منها، والروسي يعتبر أنه حقق أهداف تدخله لجهة منع سقوط النظام وإجبار الجميع على الجلوس الى طاولة التسوية.
ومع التأكيدات بوجود تنسيق بين روسيا وايران والنظام السوري و «حزب الله» بالنسبة للخطوة الروسية، فإنه كان لافتاً للانتباه أن يتزامن الانسحاب مع بدء تركيا عملية تضييق على «داعش»، وهذا ما ترجم تفجيرات في الداخل التركي. ولدى الجانب الأميركي خطة لقطع الحدود العراقية عن سوريا حيث يتردد أن الاتجاه هو لقطع الحدود في منطقة القائم وفصل الفرات من الجهتين، أي فصل الرقة عن الأراضي الزراعية المنخفضة في العراق، ما سيؤدي الى ضعف «داعش» وتضييق هامش مناوراته وتحرّكه.