IMLebanon

الانفلات السياسي وتداعياته المتدحرجة: لبنان يفقد مزيداً من أهليته وسيادته

لم تكن سهلة حتى الآن مهمة رئيس الحكومة تمام سلام محاولة استمرار تأمين إدارة شؤون البلد، على رغم التصدع بين الأفرقاء السياسيين. إلا أن الفضائح التي تتوالى بحيث لا تكاد فضيحة تكشف حتى تفتح ملفات فضيحة أخرى، تحتم عليه في رأي بعض المراقبين ان يكون حازما من ضمن قدرته على الحركة السياسية في وضع مجلس الوزراء يده على مجمل هذه الملفات، ليس من باب محاسبة المتورطين في هذه الفضائح التي هي مسؤولية القضاء، بل من باب المحافظة على هيبة الدولة لجهة ردع المزيد من انكشاف البلد، وتوجيه رسالة للخارج عن ان الحد الادنى من وجود الدولة لا يزال قائما، على رغم امتلاك الخارج ما يكفي من المعطيات والمعلومات عن الوضع في لبنان. وتحميل الرئيس سلام عبء هذه المسؤولية يأتي من ضمن تمتعه بدرجة عالية من الاستقلالية ووجوب أن يتمتع بمقدار من الحزم للجم التراشق السياسي بالفضائح، بحيث تعالج هذه المسائل بادارة الحكومة ومن ضمن أطر وآليات معروفة ومحددة، وليس عشوائيا، علما أن المسؤولية يتقاسمها الأفرقاء السياسيون جميعهم. فلا تعالج مسألة الثغر الامنية في مطار بيروت عبر الاعلام، فيما هي تثير مخاوف لدى الزائرين، فينصرفون عن زيارة لبنان. ولا مسألة المخاوف من توطين اللاجئين السوريين عبر التصريحات والمواقف السياسية التي يتم تقاذف المسؤوليات فيها، في حين لا تتم الدعوة الى اجتماع لوضع خريطة طريق لمواجهة هذا الخطر في حال صح ذلك، علما ان كثرا من المراقبين يثيرون نموذج الاردن على سبيل المثال الذي يستقطب نسبة كبيرة من اللاجئين، لكنه يأخذ دعما أكبر مما يحظى به لبنان، نتيجة وجود آليات في ادارة الدعم الذي يقدم في شكل فاعل. ويفتح المراقبون هنا هلالين للسياسة التي يعتمدها وزير الخارجية في هذا الاطار، علما انه تقدم بورقة رسمية الى مؤتمر لندن تتضمن موضوع توظيف اللاجئين أخيرا، تناقض كل الادبيات التي يخرج بها الى الاعلام المحلي عن توطين اللاجئين، وهو أحد أبرز أسباب مقاطعته زيارة الامين العام للامم المتحدة للبنان اخيرا.

ثمة قلق لا يخفيه المراقبون من الانفلات السياسي على النحو الحاصل في لبنان، ونتائجه او تداعياته على البلد. ففي الزيارة الاخيرة التي قام بها رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الاسلامي لبيروت أخيرا برفقة بان كي- مون، تحدث البنك الدولي عن تقديم مساعدة مباشرة للادارات المحلية، أي للبلديات. ويعود ذلك الى عدم الثقة بمؤسسات الدولة التي ينشر غسيلها على السطوح من دون انعكاس ذلك على أي اعتبار، الى جانب بطء الاجراءات الادارية التي تستغرق وقتا كبيرا. وأبرز مؤشر لذلك تلك المعاناة السياسية التي ادت الى اقرار بعض القوانين تحت عنوان تشريع الضرورة العام الماضي، علما أن هناك مجموعة قروض سعى لبنان من اجلها سقطت وهناك مشاريع اخرى معرضة للسقوط ايضا نتيجة الخلافات السياسية التي باتت تستهلك رصيد لبنان وصدقيته. فحين يطالب لبنان بدعم ويعجز عن تمرير اقراره في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب فان هذه المسألة تصيب لبنان في العمق بغض النظر عن واقع التباعد او الاتفاق في مسألة عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فالمؤسسات الدولية تستفيد غالبا من ضعف الدول وتستغله والاداء الذي يطبع اداء الطبقة السياسية في هذه المرحلة ومنذ بعض الوقت يؤدي الى خسارة لبنان جزءا من الدعم، فضلا عن فقدان الدولة جزءا من صلاحياتها، بل جزءا من سيادتها في ادارة الملفات الاساسية لمصلحة البلديات او مؤسسات للمجتمع المدني وما شابه ذلك من ادارات رديفة لادارات الدولة.

لا يستطيع لبنان انتظار انتخاب رئيس جديد للجمهورية لاستعادة ما سبق للبلد ان خسره حتى الان. فما دام السياسيون تآلفوا مع الانتظار وقبلوا به، فإن الوضع لا يحتمل عدم المعالجة ومنع انزلاق البلد اكثر مما بات عليه على صعد متعددة. وعلى غرار الموقف الصارم الذي اعتمده رئيس الحكومة من الدفاع عن المصالح مع الدول الخليجية، من المهم أن يعي الافرقاء في مجلس الوزراء التمييز بين اللعبة السياسية الداخلية وتلك التي تفرض التعامل مع الدول. فالصناديق العربية تشكل اكبر ركيزة للدعم للبنان. فكما وجد لبنان مصلحة استراتيجية له في معالجة مسألة قانون العقوبات الاميركي على “حزب الله”، والذي يمكن ان يمس القطاع المصرفي بالتزامات كبيرة في حين لم يتم التوجه بالشتائم او باللوم للادارة الاميركية، واعتبر لبنان ان الموضوع استراتيجي يتخطى علاقتنا كلبنانيين بأميركا، وشهدت واشنطن زيارة وزير المال المنتمي الى حركة “امل” للمرة الاولى، فان ثمة مصلحة استراتيجية للبنان في عدم ترك علاقاته مع دول الخليج تتفاقم خصوصا ان ما حصل يفقد لبنان جزءا كبيرا من مناعته. فهذه المناعة تستند في جزء أساسي منها في قدرة لبنان الى الاعتماد على الدول الخليجية حين يكون في ازمات كبيرة.

قد ينطوي ذلك على بعض السذاجة في هذا التوقيت، لكن الافرقاء السياسيين اتفقوا في النهاية على حل أزمة النفايات، ولو موقتا، بعدما هددت صدقيتهم وكادت تسبب بانهيار الحكومة. فهل ما يواجه البلد راهنا أقل من ازمة النفايات او اكبر؟