من يقارب التفاهم النووي بلغة متفائلة، وهؤلاء بمعظمهم من المعسكر الحليف أو الصديق لطهران، يتوقعون أن يلفح الاتفاق بإيجابياته المنطقة العربية الواقعة على خط الزلازل والأزمات منذ عقود طويلة.
ويتفق مع هذه النظرة خبير ديبلوماسي لبناني يلم بالعلاقات الأميركية العربية، ولكنه لا يتوقع انعكاسات قريبة «ذلك ان الأكثر إلحاحاً بعد التفاهم النووي هو حماية الاتفاق، وهذه مهمة لا تقل صعوبة عن مفاوضات الوصول الى الاتفاق نفسه».
من هنا، ليس مستغرباً أن يبادر الطرفان الأميركي والإيراني الى مقاربة ملفات المنطقة وفق سلم أولويات مشتركة «بوصفها جزءاً من الحماية المطلوبة للاتفاق» بحسب الخبير نفسه، «وهذا ما قد يفسر مقاربة النقطة الأكثر إلحاحاً اليوم لإيجاد مخرج باتت السعودية في أمسّ الحاجة إليه للخروج من المأزق اليمني».
وبالتوازي، يتابع الخبير نفسه، «لا أولوية لسوريا، بينما يقع العراق في أعلى قائمة الأولويات لأن النظام الذي أقامته أميركا في هذا البلد بالشراكة مع إيران، يتعرّض للتهديد من قبل داعش، ولأن الأكراد الذين هم حليف مستقبلي لواشنطن كما هو حال إسرائيل، ويشكلون نقطة أساسية في إستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يتعرّضون للتهديد من قبل داعش، ناهيك عن عنصر النفط، وكون العراق بلد جوار لإيران، وأي خطر يتهدده يكاد يهدد الأمن القومي الإيراني».
وأما لبنان، وبحسب الديبلوماسي نفسه، «فقد يكون محظوظاً في إمكان وضعه أولاً على سكة الحل، وقبل كل الساحات الأخرى، لسببين: اولاً، لأنه مساحة مشتركة بين الولايات المتحدة وإيران. وثانياً لأنه الساحة الأكثر برودة واستقراراً، والأقل تعقيداً من سائر الساحات والأكثر قابلية للحل».
هذه الفرضية ممكنة، يقول مرجع سياسي، لكن نجاحها يتطلب توفر مجموعة من الشروط ومنها:
اولها، توفر إرادة دولية بوضع لبنان على سكة الحل، ما يقود الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهذا ما لا يبدو ظاهراً حتى الآن.
ثانيها، إن الحل في لبنان يتطلب بالدرجة الاولى مصالحة إيرانية ـ سعودية، وهذه المصالحة في الوقت الحاضر بعيدة المنال.
ثالثها، إن الحل في لبنان لا يمكن أن يحصل بمعزل عن سوريا والعراق والساحات الأخرى.
رابعها، لا يطرح الأميركيون صيغة للتسوية في لبنان، بل هم يحثون اللبنانيين على عدم التفريط باستقرارهم.
يخلص المرجع السياسي في مقاربته الى الآتي: الحل في لبنان، يتشكل إما عن طريق طرحه على الطاولة الدولية، وهذا مستبعد، وإما عبر طريقين داخليين: الأول، على البارد، وهذا يتطلب التوافق، لكنه مستحيل. وإما على الساخن، على غرار أيار 2008 الذي أدى الى اتفاق الدوحة.
أما قراءة أهل البيت الإيراني فترتكز الى الملاحظات التالية:
ـ العالم الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة ومن خلال الاتفاق النووي، قبِل بإيران مكرهاً، وهي تدرك ذلك، وبالتالي لا نستطيع أن نقر بمناقبية أو أخلاقية هذا العالم، ولا باعترافه بالتنوع وحرصه عليه، بل يجب ان نقر بضعفه وبعجزه عن احتواء هذه القوة الصاعدة التي اسمها إيران. علماً أنه عندما كان يشعر بالقوة مارس على إيران الحصار والعقوبات وكل أنواع الضغوط.
ـ الاتفاق يقود الى نظام عالمي جديد تشكل إيران أحد أبرز مرتكزاته في ضوء الاعتراف بها قوة إقليمية، والخيارات كثيرة: إما محاولة تحقيق توازن إستراتيجي، أو صراع إستراتيجي، إو إلى تنافس هنا وهناك، وإما الى حرب او حروب باردة، او الى حروب ساخنة… المهم هو أن إيران تصبح بعد الاتفاق دولة معترف بشرعيتها ووجودها في هذا العالم الجديد.
ـ إن الفرضية القائلة بأن الاتفاق النووي يطلق العد التنازلي لانطلاق زمن التسويات بالشراكة الأميركية الإيرانية، وطرح ملفات المنطقة على المائدة بين اميركا وإيران، ليست في محلها على الإطلاق، ففي الأساس لا توجد أولويات أميركية إيرانية مشتركة، بمعنى انها محل تفاهم بينهما، بل ساحات مشتركة يتصارعان فيها. كما ان الاتفاق النووي لا هو اتفاق صلح، ولا هو معاهدة شراكة وحسن جوار او عدم اعتداء، ولا هو صفقة. خاصة ان المفاوضات التي امتدت لسنوات، لم تهدف الى إقرار صفقة، بل لتثبيت مواقع واعتراف بحق إيران ووجودها وموقعها الفاعل في المنظومة العالمية، وهذا ما حصل.
ـ بعد الاتفاق، ستجد الدول الضعيفة او تلك القلقة من الاتفاق، نفسها مضطرة لأن ترمي اوراقها كلها في سلة الدول الكبرى، بينما في المقابل سوف تنطلق الدول الكبرى والقوية، ومن ضمنها إيران، وبشكل صاروخي في اتجاه تثبيت وتعزيز مواقعها، ونقاط نفوذها.
ـ معالم مرحلة ما بعد الاتفاق، رسمها السيد علي الخامنئي قبل أيام، حينما قطع احتمال حصول تقارب أميركي إيراني ثنائي، ودعا الإيرانيين الى رفع الجهوزية لمواصلة الصراع ضد أعداء إيران بمعزل عن وصول المفاوضات او عدم وصولها الى نتيجة إيجابية.. فخامنئي أراد للإيرانيين ان يبقوا على ارض الواقع، وألا يذهبوا الى الاعتقاد بأن الاتفاق النووي هو نهاية المطاف وأن الصراع مع الغرب قد انتهى، بل على العكس من ذلك، إذ إن إيران بعد الاتفاق قد تكون اكثر استهدافاً مما كانت عليه قبل الاتفاق، وخصوصاً من قبل الاميركيين.
«مؤامرات الأعداء لن تتوقف، وكما واجهناها منذ اندلاع الثورة بقوة وحزم، سنواجهها مستقبلاً بقوة وحزم»، بحسب ما يردد الإيرانيون.