لفتني الخبر الذي قرأته في الزميلة «السفير» بعنوان «عون وسيط… بين الرياض وطهران». والذين يعرفون فخامة الرئيس العماد ميشال عون لا يفاجئهم مثل هذا الخبر سواء أكان صادرا عن معلومة ام عن تحليل ام عن تمنٍ. فرئيسنا من القادة المبادرين، ومشهود له بأنّه لا ينتظر ان تأتيه التطورات والاحداث والمستجدات انما هو حريص على ان يذهب اليها وان يستدعيها واقله ان يلاقيها في منتصف الطريق… باختصار ان يكون صانعها او احد كبار صانعيها.
البعض «استكبر» المهمة: الرئيس اللبناني وسيطا بين قطبين اقليميين كبيرين؟ هذا شأن يتجاوز لبنان قدرات وامكانات وحتى طموحات!
الاّ اننا نريد ان نؤكد لهؤلاء ان لبنان كان صاحب دور مبادر خصوصا بين الاشقاء العرب عندما كانت الخلافات تبلغ بينهم حدّ الصدام، كما كان يبادر الى الاسهام في ايجاد الحلول عندما تواجه اي بلد عربي ازمة مصيرية.
وفي هذا السياق نذكر القمة التي عقدت في فندق سان جورج في بيروت ومضى (اليوم بالتحديد) نصف قرن وعقد (60 عاما) عليها. وقد دعا اليها الرئيس المرحوم كميل شمعون لمساعدة مصر في ما بدا انها ستواجهه من تحديات كبرى عشية اتخاذ الرئيس الراحل المرحوم جمال عبد الناصر القرار التاريخي بتأميم قناة السويس. عقدت تلك القمة في 13 تشرين الثاني من العام 1956 وانتهت (مثل يوم غد تماما) في الخامس عشر منه. واعتبرت يومذاك حدثا كبيرا… الا ان ما كتب كان قد كتب، وأدى العدوان الثلاثي (اسرائيل + فرنسا + بريطانيا) على مصر الى تبديل جوهري بفرض قوات الطوارئ الدولية داخل مصر بعدما وجّه الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور انذارا الى باريس ولندن بسحب قواتهما، وهذا ما حدث فعلا وبدأ «العصر الاميركي» في المنطقة على انقاض النفوذين الفرنسي والبريطاني اللذين اخذا بالاندحار حتى شبه التلاشي بعد حرب حزيران 1967 التي وصفها البعض بــ«النكسة» ووصفها اخرون بــ«الكارثة»… وهذا ليس مدار حديثنا اليوم.
ويمكن الاستشهاد بعشرات المبادرات اللبنانية بين الدول العربية بعضها كان مفيدا وناجحا وبعضها الاخر لم يؤد الى نتيجة. وفي القمم العربية كان لبنان يؤدي دائما دور الوئام والسلام والموفق بين الاشقاء.
وفي العام 1973 قررت القمة العربية تكليف الرئيس المرحوم سليمان فرنجية التوجه الى الامم المتحدة للتحدث باسم العرب جميعا عارضا القضية الفلسطينية بأبعادها كلها مقدما مبادرة عربية… وهو ما استثار الادارة الاميركية التي رفضت هذا الدور للبنان فتعاملت مع الزيارة بقلة ادب وقلة لياقة وانعدام الديبلوماسية… ثم دفّعتنا الكثير فكانت الحرب في العام 1975 وهو ما يحتاج الى بحوث مطولة.
واليوم ليس مستغربا ان يقوم لبنان بمبادرة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في ايران بعد استمزاج الرأي لدى الطرفين والحصول على موافقتيهما وليس مثل فخامة الرئيس العماد ميشال عون لهذه المهمة الجليلة التي تعيد الدور الى لبنان كما تعيد لبنان الى دوره وهي رسالة هذا الوطن التي قضت عليها الاحداث و«طيّـرها» جيل القادة الهجينين الذين توالوا على ادارة شؤون هذا الوطن الصغير المعذب. والرئيس عون يملك من التجربة والثقافة الشاملة والوطنية الصادقة ما يخوله ادارة هكذا مسؤولية بجدارة وبأمل بالنجاح.