مع الإشكالية القانونية والسياسية والشعبية التي طرحها الحكم القضائي الاخير بحق «ميشال سماحة» ينبغي أن تترافق أي إصلاحات سياسية مع إقامة سلطة قضائية تكون فعلاً السلطة القوية الثالثة والمستقلة في البلاد. ويجب أن تكون لهذه السلطة موازنة مستقلة، وآليات حوكمة داخلية مستقلة، وصلاحية الدفاع عن الدستور وتفسيره، وفعالية تستطيع عبرها أن تصون حقوق الافراد والمجموعات وحرياتهم. ولن يُحقَّق أي تقدّم في مجال تقوية السلطة التنفيذية، أو توسيع التمثيل التشريعي، أو تعزيز الإدارات المحلية، من دون بناء سلطة قضائية قوية ومستقلة.
في هذا المجال، يجب أن تكون السياسات الدفاعية والخارجية جزءاً من أي مسار وطني جديد. لا يمكن أن يبقى لدى لبنان جيشان في دولة واحدة، كما لا يمكن أن يستمر في انتهاج سياسات خارجية متعدّدة ومتضاربة.
إضافة إلى ذلك، ينبغي الاتفاق على العقيدة العسكرية والأمنية حيث القاسم المشترك هو الدفاع عن الحدود الوطنية وصون الأمن الداخلي، أما السياسة الدفاعية فيجب أن تُربَط بالسياسة الخارجية، ففي حين سيبقى لبنان إلى جانب العالم العربي حتى حلّ الصراع العربي – الإسرائيلي وقبول إسرائيل بمبادرة السلام العربية، الا أنه في ما يتعلّق بشؤون السياسة الخارجية الأخرى، يكون الإجماع ضرورياً حول عدم المشاركة في المحاور أو الاصطفافات الإقليمية أو الدولية – أي اعتماد سياسة الحياد الإيجابي.
السياسة الخارجية مصطلح سياسي يعني كل ما يتعلق بعلاقات الدولة الخارجية، الدبلوماسية مع البلدان الأخرى، سواء كانت مجاورة أو غير مجاورة. وفي أغلب البلدان والأمم تهتم وزارة الخارجية بتنظيم هذه السياسة. هي إحدى فعاليات الدولة التي تعمل من خلالها لتنفيد اهدافها في المجتمع الدولي وتعتبر الدولة الوحدة الاساسية في المجتمع الدولي وهي المؤهلة لممارسة السياسة الخارجية بما تملكه من سيادة وإمكانية مادية وعسكرية يعرّفها بلاندوا ولتون انها منهج تخطيط للعمل يطوره صانعي القرار في الدولة تجاه الدول أو الوحدات الدولية الأخرى بهدف تحقيق اهداف محددة في اطار المصلحة الوطنية وهناك خمسة عوامل محددة للسياسة الخارجية في أي دولة وهما الموقع الجغرافى وعدد السكان والموارد الطبيعية والقوة العسكرية والمعنوية وأخيرا النظام الداخلى للدولة.
إن ما يميز قرارات السياسة الخارجية عن بقية القرارات هي أنها تخضع لتفاعل فريد من نوعه ألا وهو التفاعل بين البيئة الداخلية والخارجية وما يحتويه ذلك التفاعل من ضغوط مختلفة ومتعارضة.
وفي إطار مفهوم السياسة الخارجية والنظريات المرتبطة بها، تبدو الخارجية اللبنانية تراوح بين نظريتي «اللعبة والسجين» ومفادهما: في نظرية اللعبة، يحاول اللاعب إعمال فكره ليتخذ القرار الصحيح أثناء تنافسه مع لاعبين آخرين، ويحاول اللاعب في هذه اللعبة أن يحقق أكبر عدد من الأرباح أو أن يقلل قدر الإمكان من خسائره في ظل ظروف يحيط بها الغموض وتفتقر إلى المعلومات الكاملة، ولذلك يصبح على اللاعب أن يحاول تقدير الاحتمالات وتكهن ما قد يقوم به اللاعب الآخر من أفعال. بالنسبة لأنصار الواقعية فإنهم يعتقدون أن إمكانية الربح في مثل هذه اللعبة تساوي صفر إذ إنّ ما يربحه لاعب ما يقف مقابل ما يخسره لاعب آخر. أي إنّه إذا ربح اللاعب الأول خمسة مثلاً فإن اللاعب الآخر يخسر خمسة أيضاً وبذلك يصبح الناتج صفراً.
وهذه اللعبة تتضمّن عادة أكثر من لاعبين اثنين أو أكثر من فريقين اثنين. وقد أدت نظرية اللعبة هذه إلى نشوء قوى الردع وسباق التسلح اللولبي، وكانت نظرية اللعبة أيضاً الأساس الذي قامت عليه الدراسات حول كيفية تحقيق التعاون بين الدول المتنافسة في عالم فوضوي، ولكن المشكلة الأساسية التي تخلقها هذه النظرية هي أن القرار العقلاني بالنسبة للاعب ما (والذي يعادل دولة ما) قد يتمحور حول الفرار إلى جانب العدو بدلاً من المخاطرة عبر التحالف مع لاعب آخر (أي دولة أخرى)، إن التعامل مع هذه المشكلة قد أصبح مجال الاهتمام الرئيسي للكثير من الدراسات التي كتبت عن الحكومات العالمية والاندماج الإقليمي وحل النزاع.
وفي نظرية «مأزق السجين» إن المأزق الذي قد يقع فيه أحد اللاعبين في هذه اللعبة فيسبب له الحيرة هو ما يدعى بمأزق السجين حيث يصل اللاعب إلى مرحلة لايحقق فيها أي ناتج ولو كان مجرد الصفر ويمكن تسمية هذه المرحلة «مرحلة اللاصفر»، والفكرة في هذه اللعبة تنطلق من أنه بإمكان كل لاعب أن يربح عندما يتعاون كلاهما، ولكن إن تعاون أحد اللاعبين فقط بينما فرّ اللاعب الآخر إلى صف العدو فإن اللاعب المرتد إلى صفوف الأعداء هو الذي سوف يربح أكثر. ولكن إن فرّ كلاهما إلى صف العدو فإن كليهما سوف يخسران أو قد يحققان ربحاً قليلاً، ولكن هذا الربح القليل يظل أكثر مما قد يحققه الطرف المتعاون والمغدور والذي لايتم تقدير تعاونه من الطرف الآخر، والمشكلة التي قد تنتج عن نظرية مأزق السجين هذه هي أنه في حال كان كل من الطرفين عقلانياً في طريقة صنعه للقرار فإنهما لن يتعاونا مع بعضهما البعض على الإطلاق، إذ إن صنع القرار العقلاني يتم عادة بطريقة تضمن ما هو الأفضل بالنسبة لأحد الطرفين بغض النظر عما يختاره الطرف الآخر، لنفترض مثلاً أن الآخر قد ينحاز إلى صف العدو فيصبح من الأكثر عقلانية بالنسبة إليك أن تضع نفسك إلى جانب العدو أيضاً لكيلا تخسر شيئاً، ولكن إن أنت لم تفعل ذلك فإنك ستتحول إلى سجين من جهة وخاسر في الوقت ذاته.
وعليه بعد أن استنكر مرشد الجمهورية اﻹيرانية إحراق السفارة السعودية في طهران واعتبره عملاً مشيناً فهل يعقل أن يرفض وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل مجددا إدانة هذا العمل اﻹرهابي في المؤتمر اﻹسلامي ويكون ملكيا أكثر من الملك وفي الوقت الذي لم يجف الحبر الذي كتب به بيان النقاط العشر الذي تلاه الدكتور سمير جعجع بحضور العماد ميشال عون الذي تبنى مضمونه خصوصا لجهة إلتزامه بالشرعية الدولية والعربية؟
هل إن موقف باسيل الاخير يعبر حقيقة عن موقف الحكومة اللبنانية بصلاحيتها مجتمعة خاصة بعد تصريح رئيسها تمام بك سلام
إن «أصل النزاع بين ايران والمملكة العربية السعودية هو التدخل الايراني القائم منذ سنوات في العالم العربي والذي يزيد الاوضاع المعقدة فيه تعقيدا».
كلام سلام جاء خلال ندوة شارك فيها في دافوس، مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في اطار «منتدى الاقتصاد العالمي» في دافوس، أدارتها الصحافية الاميركية كريستيان امانبور.
الاشتباك السياسي على خلفية مواقف باسيل الذي تسبب به تكراراً موقف وزارة الخارجية والمغتربين في مؤتمر منظمة التعاون الاسلامي في جدة بالامتناع عن التصويت على قرار التنديد بإيران لاعتدائها على السفارة السعودية وقنصليتها في طهران، بإيعاز من وزير الخارجية جبران باسيل، على تظهير الانقسام الداخلي وحتى الحكومي فحسب، بل اتسم تجدد الاشتباك هذه المرة بتداعيات مباشرة على خط التوتر الرئاسي بما من شأنه ان يزيد سخونة الأجواء السياسية.
موقف يتحفّظ على علاقة لبنان في محيطه، وقد بدا معها لبنان ممعناً في التفرد عن الاسرة العربية، ويناقض البند الثاني من مقدمة الدستور الذي ينص على ان لبنان عربي الهوية والانتماء.
فماذا بقي من النقاط العشر التي وردت في الوثيقة السياسية الصادرة عن لقاء معراب بعد الموقف الاخير لوزير الخارجية؟.
بمعنى ان الخطوة الدبلوماسية الجديدة لباسيل في ظل البنود العشرة التي تبنّى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ترشيح عون على أساسها، تعطي انطباعات سلبية لدى بقية 14 آذار وعمقها الاقليمي حول حقيقة النوايا ومضمون تلك النقاط، تعزز الفكرة القائلة بتسرع ردة فعل سمير جعجع على ترشيح الرئيس الحريري للنائب سليمان فرنجية.او ان جعجع فعلاً قد بنى تحوله الدراماتيكي تجاه عون كنافذة له نحو ولوج المحور الاخر لوراثة الجنرال على الصعيدين المسيحي والاقليمي.
الثابت ان الحديث المعرابي الأخير، الذي تبنى خلاله رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون للرئاسة، وما تضمنه الإتفاق بينهما، خصوصاً لجهة سياسة لبنان الخارجية، والعلاقات مع المجتمع الدولي عموماً والعربي خصوصاً، لم يفلح في ثني وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل عن تكرار مواقفه، التي يرى البعض فيها دعماً لإيران على حساب المحور العربي.