ليس صحيحاً أن انتاج قانون انتخاب في المجلس النيابي صار مهمة مستحيلة. الصحيح أن سياسة الهرب من الانتخابات هي التي تقطع الطريق على القانون. والصحيح أيضاً أن سياسة الغلبة عبر الحرص على ضمان المقاعد النيابية سلفاً هي التي تنتج مشاريع قوانين سيئة يستحيل التوافق عليها. فالنقاشات، منذ انتخاب المجلس الحالي على أساس قانون الستين المعدل جزئياً في اتفاق الدوحة، ثم التمديد له وسط التزامات ووعود باعطاء الأولوية لقانون انتخاب يضمن التمثيل الشعبي السليم والصحيح، كانت ولا تزال تدار بسياسة الهرب من الانتخابات وسياسة الغلبة فيها. وما يقال اليوم بعد دعوة اللجان النيابية لمناقشة ١٧ مشروع قانون هو شيء من التذكير بتجربة ثماني سنوات تقريباً، وشيء من الارتياح الى مرور قطوع على الكوع الميثاقي.
ذلك أن العجز عن انتاج أهم قانونين هما قانون الانتخاب وقانون الموازنة هو عجز منهجي ومنظم. فلا في حضور رئيس للجمهورية خرج من ساحة النجمة قانون انتخاب وقانون موازنة. ولا الشغور الرئاسي هو ما منع إقرار القانونين. ولو كانت هناك جدية لتصرف الجميع على أساس أن النقاش في اللجان يمكن أن يفتح نافذة فرصة لانتاج قانون. فليس في الأنظمة الديمقراطية سوى نوعين من النظام الانتخابي: نظام نسبي في دوائر كبيرة، ونظام أكثري في دوائر فردية أو صغيرة. والبعض يجمع بين النوعين. وكل هذا وأكثر جاهز أمام اللجان. ولا حاجة الى اعادة اختراع الدولاب.
لكن النظام الديمقراطي البرلماني في لبنان مضروب بأمراض مشتركة بينها ديمقراطية الخوف من الانتخابات. والنموذج طازج في موسم الانتخابات البلدية. فمنذ التوجه نحو اجراء الانتخابات، ونحن نرى ونسمع أربعة أمور على الأقل. أولها البحث عن أي عذر أمني أو سياسي للحديث عن ضرورة التمديد للبلديات. وثانيها ان الزعامات السياسية هي، على العموم، ذاهبة الى الانتخابات على طريقة مكره لا بطل، ويتمنى كل زعيم تأجيلها على ىد سواه. وثالثها تفضيل اللوائح المعلّبة تحت عنوان التوافق على التنافس الذي يوصف بأنه وجع راس. ورابعها ان البلديات هي مسألة بين العائلات، وما تقوم به الأحزاب والتيارات السياسية هو تدخّل في الخصوصيات.
والمنطق البسيط يقول ان القاعدة هي انه لا شيء يجب أن يحول دون اجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية في مواعيدها. والسؤال البسيط هو عن أساس العمل البلدي. والجواب الأبسط هو انه فن ادارة شؤون الناس. وهذا هو المعنى الأصيل للسياسة كما يتعلمه تلاميذ المدارس والجامعات.