من الأوّل، لا من الآخر. فليتقدّم مسؤولٌ، مرجعٌ، متزعّمٌ، قائدُ حزبٍ، قائدُ جماعة، قائدُ تيّار، قائدُ ميليشيا، إلى آخره… وليصارح الناس بالحقائق والوقائع والأسباب التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهوريّة بعد انتظار دخل السنة الثانية.
وليتفضّل ويقول للبنانيّين الواقفين على صوصٍ ونقطة، كما الذين ينامون بين حقائب السفر وفي جيوبهم جوازات مجهَّزة بما تيسّر من التأشيرات، ليتفضّل ويتكرّم ويطلعهم على سرّ حبس الاستحقاق الرئاسي طوال هذه المدّة، وأين، وكيف، وإلى متى؟
صحيح أنّ الناس غرقوا أشهراً في بحر الزبالة، ثم في بحيرات “تشريع الضرورة”، لكنهم لا يزالون في حيص بيص بالنسبة إلى الفراغ الرئاسي، وتعطيل المؤسّسات، وإلغاء الدولة، ومحو دور الدستور، والقفز فوق الأعراف والمواثيق.
كل ما يُحكى عن “حلول مرحليّة” وتسويات موقّتة، وما يطرح “عفويّاً” في بعض الأحاديث المتلفزة و”الملغومة” هو مخالف للدستور، وللنصوص، وللمواثيق، وللأعراف والتقاليد، ولا يجوز التمادي في عرضه وطوله.
لم يَعُد من الجائز أو المقبول ذرّ الرماد في الأعين، وإن يكن الرأي العام لا يزال عند الشيخ الرفيق سعيد تقي الدين هو ذلك “البغل” الذي لا يُعتمَد عليه، ولا توكَل إليه قضيّة، أو مهمّة.
فلماذا لا يجرؤ أحدكم ويبقّ “بحصة” التعطيل الشامل الذي يلفّ كل لبنان، ويعطّل مصالح كل اللبنانيّين، ويعرّض الصيغة والتركيبة والميثاق والنظام للتجارب الصعبة؟
“خلّونا كما كنا”، وعلى أساس اتفاق الطائف، ودستوره، والميثاق الذي نَجَمَ عنه. وليتخلَّ بعض “المغامرين” عن ألاعيب ذرّ الرماد في الأعين، والدعوات لفلح البحر وانتظار الحصاد…
كل هذا الغزل والتحييك لا يصنع رداءً لعارٍ أو عريان. لبنان كما تعلمون وتشاهدون عرياناً بلا رئيس جمهوريّة. وهذا عارٌ على الجميع. موسم الشتاء وصل، ووصل معه موسم آخر كضيف خطير يُدعى “داعش”.
وهذا “الداعش” لم يعد على الأبواب، بل داخل الأحياء والعمارات والبيوت والزواريب. والعودة إلى طرح قشور الموز في درب هذا الاقتراح، أو على طريق ذلك الحلّ، لا تصرف الناس عن المطالبة الملحّة واليوميّة: بدّنا رئيس جمهوريّة، بدّنا دولة، بدّنا الدستور، بدّنا القانون، بدّنا لبنان الذي ولدنا فيه ونشأنا وشبنا، ولا شيء سواه.
قد أكون مُنتُ هنا على بعض الناس الذين لا في العير ولا في النفير، إلا أنني واثق من أن الأكثرية مع ما أقوله في هذه الأرجومة.
وقبل أن يخرج الغاضبون، زرافات لا وحدانا، إلى الساحات والشوارع صارخين: بدنا خبز بدنا طحين، بدنا ناكل جوعانين.