IMLebanon

لبنان يفاوض «القاعدة»: صك إقامة جمهوريّة «النصرة» في عرسال

لمسخ الوطن، لبنان، تاريخ طويل وحافل من الذلّ والمهانة. قل (وقولي) إنه تمرّس في المهانة والذلّ إلى درجة أنه بات لا يعرف الكرامة والعزّة ولو قابلها وجهاً لوجه. عنه – على الأرجح – قال الشاعر نسيب عريضة (لم يحظَ هذا الشاعر السوري بالتقدير الذي يستحقّه، كما كان ميخائيل نعيمة يقول، وديوانه لم يُطبع إلّا مرّة واحدة في الأربعينيات في الولايات المتحدة): «حمل الذلّ بصبرٍ من دهورٍ، فهو في الذلَّ عريق». وإذا كان أنطون سعاده قد عرّف الحياة برمّتها على أنها «وقفة عزّ فقط»، فإن الحياة بالنسبة لمسخ الوطن هي وقفة ذلّ فقط.

لم يمرّ في لبنان غزاة ومحتلّون ومتدخّلون إلّا وتنافس اللبنانيّون في استجدائهم وطلب رضاهم واستقبال نعالهم بوجوهم. يجب تغيير اللوحة الفولكلوريّة على مدخل نهر الكلب. يجب وضع لوحة جديدة تصف الحقائق كما هي: أمام كل هؤلاء الغزاة والمحتلّين طأطأ اللبنانيّون رؤوسهم وأطاعوا مُستعبديهم ومُستعمريهم. المشكلة ليست فقط أن مسخ الوطن «عريق في الذلّ»، لا بل هو يُمعن في إعلان البطولات الفارغة، وله كم من الأغاني الوطنيّة عن الكرامة والعنفوان ما ليس في معين جيوش الدول الكبرى. سيوف لبنان خشبيّة وهي أطول من قامة حامليها، لكنه يصرّ على نسب العظمة إلى تاريخه وحاضره.

الاتفاقيّة التي طالت والتي اتسمت بسريّة مُعلنة لم تنهِ ملفّ الأسرى، وقد تؤذن لمرحلة تسلّم فيها الدولة اللبنانيّة عناصر جيشها وقواها الأمنيّة لكل فرقة إرهابيّة و/أو عصابة إجراميّة. هل ستصبح عرسال «جمهوريّة النصرة» الرسميّة، ومنها ستنطلق عمليّات إرهابيّة نحو لبنان وسوريا؟ هل أن لبنان شرعنَ حق «النصرة» في احتلال أراض لبنانيّة بالإضافة إلى الحصول على تعهّد رسمي بالالتزام بمبدأ عفا الله والجيش اللبناني عمّا حصل من جرائم من «النصرة»؟ وعن أية إنجازات كان تمّام سلام يتحدثّ بحماسة لم نعهدها منه من قبل؟ ولمذا تنطّحت أجهزة الدولة ومسؤولوها للظهور امام وسائل الإعلام كأن هناك ما يُزهى به من هذه الاتفاقيّة التي تجعل من لبنان راعياً ومُموّلاً ومسانداً رسميّاً لمنظمّة إرهابيّة؟ وما هي التبعات التي نتوقّعها من «داعش» على ضوء هذه الاتفاقيّة؟ هل سيطالب «داعش»، مثلاً، بمنطقة عكّار مقابل إطلاق الأسرى المحتجزين لديه؟ هل سيلتزم لبنان بتمويل «النصرة» و«داعش»، ومدّهما بالمعونات الشهريّة، بنفس قوّة التزامه بتمويل محكمة الحريري الأميركيّة – الإسرائيليّة؟ أم ان لبنان بات يدور في فلك «النصرة» و«داعش» مكافأة لهما على خطف جنود لبنانيّين؟

أوّلاً، أليس هناك من ضرورة لإجراء محاكمة عسكريّة لبعض ما تفوّه به بعض هؤلاء الجنود والعناصر في الأسر؟

الموضوع مُحرج للدولة ولأجهزة الإعلام على حدٍّ سواء، ولم يتطرّق إليه أحد. لكن هناك حقائق: لقد تفوّه بعضهم بكلام قبيح ومقيت ومُثير للاشمئزاز في شرائط فيديو من إنتاج التنظيم. إن وضع الأسر لا يجب ان يعفي قيادتهم من مسائلتهم ومحاكمتهم ومحاسبتهم ومعاقبتهم، أو حتى سجنهم.

هؤلاء يستحقّون ليس فقط الإدانة الشديدة بل التسريح غير المُشرّف، على أقلّ تقدير. بعض هؤلاء تطوّع في النطق بخطاب الفرع السوري من تنظيم «القاعدة» وهو تنظيم إرهابي محظور في كل دول العالم، بما فيها لبنان. إن ما تفوّه به هؤلاء يستحق وقفة إعلاميّة ومحاسبة من الرأي العام، لكن الإعلام التلفزيوني في همروجة الاحتفال نسي ذلك وانضم إلى جوقة التطبيل والتزمير لجبهة «النصرة»، باستثناء محطة «الجديد». لكن الطريف كان في أن محطة الطائفيّة المسيحيّة التي تتخصّص في رصد بيع أراضي المسيحيّين للمسلمين باتت هي الناطقة شبه الرسميّة في لبنان لجبهة «النصرة».

ثانياً، يحتاج هؤلاء الجنود والعناصر الأمنيّة إلى عمليّة إعادة تأهيل وضخ لعقيدة وطنيّة جديدة ومُتجدّدة للجيش. صحيح ان قيادة الجيش نجحت بعد الطائف في استبدال عقيدة فؤاد شهاب المهينة بعقيدة وطنيّة مُعادية (للمرّة الأولى منذ عام ١٩٤٨، يا للفضيحة) لإسرائيل. قبل ذلك، كانت عقيدة الجيش مهادنة للعدوّ الإسرائيلي ومعادية فعلاً وقولاً لكل مقاومة للعدوّ الإسرائيلي. إن ضباط الجيش اللبناني ومدفعيّته وطائراته شاركوا (في حقبة ما قبل الطائف) باندفاع في ضرب المخيّمات الفلسطينيّة، فيما امتنعوا عن التعبير الرمزي عن الدفاع عن الوطن بوجه عدوان إسرائيل المُستمرّ. أكثر من ذلك، لقد أمدّت قيادة الجيش الانعزاليّة في حينه جيش العدوّ بواحد من أبرز ضبّاطها، أنطوان لحد، كي يقود ميليشيا إرهابيّة للدفاع عن جيش الاحتلال الإسرائيلي بوجه حركات مقاومته. إن إعادة التأهيل ضروريّة: كل مَن شاهد الجنود وهم ينتحبون ويتذلّلون ويستجدون الرأفة أمام سجّانيهم يقتنع (أو تقتنع) أن هذا الجيش غير مؤهّل للقيام بمهام أمنيّة بسيطة، ناهيك عن مهام الدفاع عن الوطن أمام عدوان إسرائيل.

ومظاهر الحاجة إلى إعادة التأهيل تتبدّى ليس فقط في النحيب على شرائط الفيديو التي بثّتها «النصرة» وإنما أيضاً في اخبار التحاق عناصر من الجيش وقوى الأمن بتنظيمات إرهابيّة، والقتال في صفوفهم. وهناك واحد من عناصر الجيش الذي رفض ان يعود إلى لبنان بل التحق بفريق «النصرة» في سوريا، لكن وائل أبو فاعور (ولنا عودة إليه) تستّر على الأمر ونسب خبر فراره إلى «ظروف خاصّة». الأسوأ من ذلك ان كلام بعض عناصر الجيش بعد إطلاق سراحهم تطابق مع كلامهم في الأسر.

كادت مراسلة «الجديد»، حليمة طبيعة، ان تصفع واحداً من هؤلاء طفق يكيل المديح لـ«جبهة النصرة»، فيما هي تذكّره بسجلّ الجبهة الحافل بالإرهاب وبقتل العسكريّين من أترابه. ولو ان ظروف الأسر كانت على ما هي عليه من حسن ضيافة – بحسب قول بعض المُحرّرين – فإن المعاقبة لبعض هؤلاء الجنود تصبح واجبة أكثر لأنهم تقيّأوا كلام الذل والطائفيّة البغيضة بملء إرادتهم – حسب أقوالهم أمس.

وهناك مَن يعاجل بالقول إن الحكم على هؤلاء من قبل الأحرار (الافتراض ان كل مَن يقبع في زنزانة هو حرّ، حسب مفهوم الدولة الحديثة) غير مُنصف وأن الذي يده في النار هو غير الذي يده في الماء المُنعش. لكن الجنود المنضوين في جيش يرفع (وإن كوميديّاً) شعار «شرف. تضحية. وفاء»، مُفترض ان يكونوا من غير طينتنا نحن معشر البشر العاديّين. هؤلاء يتدرّبون ويُعدّون ويتلقّون السلاح والمرتّبات كي يقاتلوا وكي يتعرّضوا للمخاطر وكي يموتوا أيضاً إذا اقتضى الأمر. أي أن التضحية هي جزء من وظيفتهم. أي ان معيار الحكم على الجنود هو غير الحكم على هؤلاء. لكن مشاهد الفيديو المُقزّزة لجنود يطلقون العبارات الطائفيّة السوقيّة ويروّجون لدعاية تنظيم إرهابي شنّ حروباً على الجيش وعلى المدنيّين في لبنان لا تدفع المشاهد أبداً إلى تصنيف بعض الجنود على أنهم من طينة الأبطال الخارقين.

ثم، المعيار على هؤلاء لا يندرج في سياق اتفاقيّات جنيف (والتي تطال الحروب «الحضاريّة» بين الدول) وإنما في سياق تجارب سابقة لأسرى لبنانيّين. كم حاول العدوّ الإسرائيلي ان يستخدم أسرى عرباً في عروض دعائيّة وكم فشل في مسعاه. كم رأينا من أسرى لحزب الله في سجون العدوّ وهم ينظرون إلى سجّانيهم باحتقار شديد، ويتعاطون مع القضاء الإسرائيلي باستخفاف المُقاوم. وهؤلاء متطوّعون في حركة المقاومة. لو ان الجيش اللبناني يجعل من كتاب سمير القنطار عن تجربته كتاباً مُقرّراً في المنهج العسكري للاقتداء به في كيفيّة التعاطي في الأسر. هل شاهد بعض الأسرى صور الحرّ جورج إبرهيم عبدالله في الأسر؟

ثم ان تسرّب مخابرات العدوّ الإسرائيلي إلى صفوف الجيش وقوى الأمن يحتاج إلى محاسبة ومراجعة عسكريّة ضروريّة. هل هناك مَن أجرى تحقيقاً في أمر غسّان الجدّ، العميل الإسرائيلي المحكوم والذي وصل إلى منصب نائب رئيس أركان الجيش اللبناني (والذي كشف الزميل حسن علّيق دوره الإسرائيلي «التنفيذي» والذي أدّى تساهل إلياس المرّ معه إلى فراره من لبنان)؟ هناك خلل في قيادة الجيش اللبناني وفي بنيته، ولم يزد ميشال سليمان في الرئاسة وفي قيادة الجيش هذا الخلل إلاّ خللاً. وماذا عن المحاسبة في القرار الذي أدّى إلى خطف الجنود والأمنيّين من دون مقاومة؟ هل عقيدة الجيش اللبناني تتطلّب أوامرَ من فوق حتى في حالات الدفاع عن النفس؟ نعلم ان قائد الجيش اللبناني التزم بعد زيارة واشنطن ان الجيش لن يعيد الكرّة في إطلاق رصاص الدفاع عن النفس في حالة العديسة، لأن الكونغرس حذّر من وقف كل المساعدات الأميركيّة للجيش اللبناني في حال إطلاق رصاصة واحدة أو حصاة على جيش العدوّ الإسرائيلي، لكن هل هذا يسري على التنظيمات الإرهابيّة حفاظاً على علاقات لبنان مع الدول الخليجيّة؟

ثالثاً، دور اللواء عبّاس إبراهيم يحتاج إلى دراسة وتمعّن في العلاقة بين الإعلام وبين أجهزة الأمن اللبنانيّة. لان هناك تاريخ سيئ. باتت أجهزة الأمن اللبنانيّة تغطّي على أعمالها وعلى فسادها وعلى تقصيرها عبر إقامة علاقة وطيدة مع عدد هائل من الإعلاميّين الذين يتلذّذ بعضهم في التقاط «السلفي» مع مسؤولين في الدولة. وما كان التفجّع على الهواء على وسام الحسن (الذي لعب دوراً كبيراً في تأجيج الصراع الدموي في سوريا والذي ساهم في إنعاش التنظميات الإرهابيّة في سوريا وفي لبنان والذي أججّ الفتنة الطائفيّة بأمر من القيادة الحريريّة – السعوديّة) إلّا انعكاساً لهذه الظاهرة المُقلقة. بات كل رئيس جهاز أمني يتخصّص في مسايرة الإعلاميّين والإعلاميّات للحصول على تغطية إيجابيّة ومُتعاطفة.

الدولة اللبنانيّة بمكوّناتها كافة تتحمّل كامل المسؤوليّة عن الصفقة

لكن لا يجب تحميل عبّاس إبراهيم آثام هذه الصفقة الصفيقة لأن الدولة اللبنانيّة بمكونّاتها كافة (هنا تصلح مقولة «كلهم، يعني كلهم») تتحمّل كامل المسؤوليّة عن الصفقة. لم يكن عبّاس إبراهيم إلاّ وسيطاً مُكلّفاً بمهمّة من قبل الدولة اللبنانيّة. لكن هناك بعض التساؤلات عن دوره: ألا يبالغ الإعلام اللبناني، خصوصاً محطة «الجديد» في إحاطته بهالة من التكبير؟ وكيف وفّق إبراهيم بين «السريّة» التي كان يُشدّد عليها وبين دفق من التسريبات المُستمرّة التي كانت ترفع وتخُفّض من منسوب التفاؤل عند الأهالي؟ السريّة تعني عدم إبلاغ الإعلام إلّا بموعد التبادل فقط. وألم يُبالغ إبراهيم في خطبته يوم تنفيذ التبادل من خلال كلامه عن «هيبة الدولة». أي هيبة يتحدّث عنها؟ لا، وأضاف كلاماً عن العزّة والكرامة والسيادة. أية سيادة هي تلك التي تعطي معونات إلى منظمّة إرهابيّة خطفت وقتلت عسكريّين وفجّرت مدنيّين في لبنان وسوريا.

رابعاً، دور النظام القطري. لم يعد الأمر سرّاً ولم يعد هناك مَن يتحدّث في بداية الصراع الدموي في سوريا عن ان تمويل التنظيمات المُسلّحة هو فقط على أيدي مُحسنين ومتموّلين سوريّين في الغربة. لقد أعلن النظام القطري رسميّاً أنه يمدّ الفرع السوري لتنظيم «القاعدة» بالمال (والسلاح طبعاً لكن النظام لا يعلن ذلك – أو لم يعلن ذلك – بعد). النظام القطري لم يكن بعيداً عن تسليح وتمويل التنظيمات الإرهابيّة (بالتعريف الأميركي – لما لدى الحكم الأميركي من حظوة في النظام القطري) العاملة في «الثورة» في سوريا. إن إقرار النظام القطري بتمويل «النصرة» يعني ان أي تفجير مقبل أو أي مدفع جهنّم مقبل أو أي خطف مقبل أو أي قطع رأس مقبل يجب ان يتحمّل النظام القطري مسؤوليّته. طبعاً، حرصتْ وسائل إعلام النظام القطري على وصف التدخّل القطري بـ«الإنساني»، كما ان العدوان الخليجي على اليمن هو عدوان إنساني، كما ان محاكمة مُغرّدين وشعراء في دول الخليج يدخل في نطاق القمع «الإنساني». إن التنظيمات الإسلاميّة الإرهابيّة في أفغانستان كانت من نتاج التحالف الغربي ــ الخليجي، كما ان التنظيمات الإرهابيّة في سوريا هي من نتاج التحالف الغربي ــ الخليجي.

خامساً، أين مسؤوليّة قائد الجيش ممّا يجري. من المعلوم ان جان قهوجي بات مُقَلِّداً لخطاب ومسلك وأداء ميشال سليمان ربما طمعاً بمنصب الرئاسة. وقهوجي شوهد وهو يفتح زجاجات الشامبانيا تكريماً لنفسه بعد ان مُدِّد له في منصبه الرفيع. ماذا قدّم قهوجي لعسكريّيه أثناء فترة الخطف (التي لم تنتهِ للأسرى في سجون «داعش»)؟ وإذا كان الردّ العسكري على «جبهة النصرة» بعد خطفها للجنود والأمنيّين محكوماً بالحرص على حياة الأسرى، فما الذي يمنع الجيش الآن من البدء في عمليّة عسكريّة للاقتصاص من الجهة التي خطفت وقتلت عسكريّين لبنانيّين؟ أم ان الاتفاق بين الدولة اللبنانيّة والمنظمّة الإرهابيّة تضمّن بنوداً سريّة تسمح بتبادل السفراء بين الجهتيْن، بالإضافة إلى تسليم عرسال إلى «النصرة» لإقامة جمهوريّة إسلاميّة بن لادنيّة فيها؟

أليس من واجب الجيش اللبناني ان يتحرّك عسكريّاً ضد التنظيم الذي خطف العسكريّين وفي حلّ من أي التزام بنود الصفقة الإقليميّة التي أدّت إلى إطلاق الأسرى في سجون «النصرة»؟

سادساً، ما هو الثمن الذي دفعه لبنان إلى التنظيم الإرهابي؟ أليس الاتفاق المُعلن (من دون الإشارة إلى الجانب السرّي منه) تشجيعاً لتنظيمات إرهابيّة للقيام بأعمال مماثلة للحصول على مكأفأة من الدولة ومن دول أخرى مجاورة؟ إذا كانت الدولة تصرّ على أنها لن تستعمل القوّة للدفاع عن كرامتها وعن حياة جنودها فإنها بذلك تسلّم كرامتها لأي عابر سبيل مُسلّح. وماذا حصل وسيحصل لـ«أبو طاقيّة»؟ الرجل محكوم بالسجن المؤبّد مع الأشغال الشاقّة، لكن وائل أبو فاعور (الذي لا يفوّت مناسبة للظهور أمام الإعلام) ظهر أمام الإعلام ليدافع عن أبو طاقيّة ويثني على إنسانيّته وعلى رأفته وحسن سلوكه. هل كان كلام أبو فاعور جزءاً من ثناء وليد جنبلاط الدائم على «جبهة النصرة» والتي أثبتت – لجنبلاط – أنها ليست إرهابيّة لأنها أطلقت أسرى الجيش وقوى الأمن؟ وما دخل وزير الصحّة في الموضوع، أم أن وزارة الصحّة سترعى صحّة مقاتلي «النصرة» بناء على الاتفاقيّة؟

سابعاً، نفهم انه يحق للدولة ان تعتقل امرأة تحمل متفجّرات، لكن لماذا تقوم الدولة باعتقال أطفال لمطلوبين؟ هل هذا ينطبق مع القانون اللبناني؟ هل عدّلت الدولة بنفسها من القانون اللبناني ليصبح أولاد المطلوبين هم أيضاً مطلوبون للضغط على ذويهم؟ هذا أقرب إلى الاختطاف من الاعتقال، وهذا سائد في مسلك النظام البعثي السوري (والاحتلال الأميركي).

ثامناً، بناء على كل ما جرى، إن القول إن الجيش يتمتّع بـ«جهوزيّة» كاملة، على قول قائد الجيش هو قول مثير للضحك. ان أداء هذا الجيش يشرعن يوميّاً ليس فقط للمهام الموطنيّة للمقاومة – التي لا تحتاج الى شرعنة من أحد لأن شرعيّتها تنطلق من أعمالها وتاريخها وتحضّرها – بل إن أداء الجيش يشرعن تدخّل حزب الله على الحدود اللبنانيّة (بصرف النظر عن موقف المرء من هذا التدخّل) لأن الجيش لا يقوم بالحد الأدنى من واجباته باستثناء بيانات عنتريّة لا مصداقيّة لها.

كان احتفال لبنان بتحرير أسراه ناقصاً: شروط التحرير كانت باهظة، ودفع لبنان ثمنها من سيادته وأمنه وحدوده، كما ان الأسرى في سجون «داعش» ما زالوا في الخطر. وأداء بعض العسكريّين قبل أسرهم وبعده لم يكن يعبّر عن جهود «التضحية» دفاعاً عن «شرف» الجيش و«وفاء» للشهداء. لقد احتفل لبنان بعودة أسراهم إلى «الحريّة» المفترضة، لكن مَن يحتفل بالذين لم يعودوا؟ مَن سيقيم لهم أقواسَ النصر؟ هؤلاء هم أحرار أكثر من العائدين. لهؤلاء حق الاحتفاليّة أكثر من العائدين.