تلبية لدعوة مشتركة من الحكومتين الروسية والكازاخستانية، يشارك لبنان في 1 آب المقبل للمرة الأولى بصفة مراقب الى جانب مَن سبقه اليها من دول الجوار السوري في مؤتمر «نورسلطان» الخاص بالأزمة السورية، والذي يشكل استكمالاً لمسار «استانة». فما هي أهمية هذه المشاركة والظروف التي توافرت لها رغم مرور سنوات على الفكرة؟ ومن سيمثّل لبنان؟ وهل له ورقة عمل محددة؟
بعد مرور أربعة أشهر على طرح الفكرة بناء على اقتراح مشترك من وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف ونظيره اللبناني جبران باسيل، في القمة اللبنانية – الروسية التي عقدت في 25 آذار الماضي بين الرئيسين ميشال عون والروسي فلاديمير بوتين، سيحلّ لبنان ضيفاً إضافياً على مؤتمر «نور سلطان» الى جانب من سبقه اليها من الدول العربية التي تشكّل دول الجوار السوري، أي الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية.
ولا يمكن القول إنها المرة الأولى التي طرحت فيها الفكرة، فقد أوصَت سلسلة من المؤتمرات التي عقدت في بيروت منذ اندلاع الأزمة السورية في 16 آذار 2011، اكثر من مرة، بضرورة مشاركة لبنان في المؤتمر الذي يناقش من ضمن مسار «استانة» ملفات تعني اللبنانيين كما السوريين، فعلى أرض لبنان مليون ونصف مليون نازح سوري أرهقوا الإقتصاد اللبناني والبنية التحتية بالكثير من الخسائر التي قدّرها البنك الدولي قبل مؤتمر «سيدر 1» بحوالى 18 مليار دولار، سواء كانت على الصعيد الإقتصادي أو الإجتماعي أو التربوي أو الصحي مباشرة أو مداورة.
ولعل أبرز من وجّه الدعوة الصريحة الى ضرورة مشاركة لبنان كان المؤتمر الذي عقد في «بيت المستقبل» في بكفيا عام 2015، على خلفية ضرورة المشاركة في «المساعي الدولية التي تخوض غمار البحث عن الحل السياسي في سوريا»، وفي ملف «إعادة النازحين السوريين من دول الجوار السوري»، ولبنان إحداها. ولكن هذه الدعوة بقيت مغمورة وعلى مستوى الخبراء، الى أن أوصَت بها ورشة دعا اليها «مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية في الجيش اللبناني» التي عقدت في فندق «مونرو» في 17 تشرين الأول 2017 تحت عنوان «لبنان والنزوح السوري… الأعباء وأولوية العودة»، والتي شدّدت في توصياتها في حضور اكثر من 90 مشاركاً من ممثلي عشرات المؤسسات الدولية والأممية وممثلين عن جيوش المنطقة، على تأمين «العودة الآمنة للنازحين» الى بلادهم في أسرع وقت ممكن «حفاظاً على كرامتهم وهويتهم الوطنية». كما دعت الى التنسيق مع الأمم المتحدة لِما فيه، أولاً «تحقيق خَير النازحين أنفسهم»، وثانياً «الحفاظ على نهائية الكيان اللبناني ودستوره والمصلحة الوطنية العليا». فلبنان ملتزم في دستوره وثوابته السياسية والوطنية «رفض التوطين»، سواء تناول مصير الفلسطينيين الموجودين على ارضه منذ اكثر من 73 عاماً والسوريين منذ 8 سنوات».
كما أوصَت الندوة يومها بالمشاركة في المفاوضات على مسارَي «جنيف» و»أستانة» معاً، قبل ان يتجمّد الأول في رابع محطاته ويستمر الثاني من دون جدوى عملية بفِعل الحصار الأميركي الذي تساهم فيه دول الحلف الدولي ضد الإرهاب الذي يصرّ على مقاطعة مسار «استانة»، والذي يكاد يكون شاملاً لولا المشاركة الخجولة من دبلوماسيين أميركيين وعرب وأجانب من ضمن الحضور الدولي في اجتماعاته التي انتقلت هذه المرة الى «نور سلطان» بدلاً من استانة للمرة الأولى.
على هذه الخلفيات، تتجه الأنظار الى ما يمكن أن يجنيه لبنان من هذه المشاركة، بعدما تقرر ان يتمثّل بمدير العلاقات الخارجية في وزارة الخارجية ومدير مكتب الوزير السفير غدي خوري، المكلّف أصلاً بإدارة العلاقات مع المنظمات الدولية دون غيره من الشخصيات.
ومنعاً لأي التباس، فقد كشفت مصادر دبلوماسية وسياسية واسعة الإطلاع انّ ما جرى تداوله من حديث عن تمثيل عسكري او سياسي للبنان لم يكن جدياً، وبقي مجرد اقتراح انتهى البحث فيه باكراً. فهناك مَن اقترح سابقاً ان يتشكّل الوفد اللبناني من مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية النائب السابق امل ابو زيد وممثل آخر عن المديرية العامة للامن العام، فهما عضوان في اللجنة اللبنانية – الروسية المشتركة، وقد طويت الفكرة نهائياً.
أما الثابت، فإنّ لبنان دخل ولَو من «الباب الضيّق» الى مسار استانة ليكون شاهداً على كل ما يتقرر في شأن عودة النازحين الى سوريا بالطرق الآمنة، ووفقاً للمواثيق الدولية، فكل الإحصاءات الجديدة أشارت الى عودة ما يزيد على 325 الفاً من النازحين السوريين من لبنان، وانّ من عاد منهم الى لبنان لا يقاس بهذا الحجم، لأنّ المتسللين يبعدون فوراً من حيث أتوا من الأراضي السورية. ولكن ما قاله مكتب الخدمات الروسية قبل ايام يعطّل جانباً من أهمية هذه العودة، خصوصاً بعدما كشف انّ العمليات العسكرية التي يقودها سلاح الجو الروسي ونظيره السوري على مدن ادلب المحاصرة، أعادت تهجير 400 الف سوري خرجوا عنوة من المنطقة الآمنة التي رعاها الروس والأتراك في المنطقة، وانّ نصيب لبنان منها لا يُذكر، فالنزوح اتّخذ هذه المرة وجهته في اتجاه الشمال السوري ومناطق الأكراد في شمال شرق البلاد والمنطقة العازلة التركية – السورية على طول الحدود الشمالية بين البلدين.
وفي النهاية، لا بد من التذكير بأنّ المشاركة اللبنانية ستكون وفق التقديرات شكلية في هذه المرحلة، فالحضور على هذا المستوى للمرة الأولى لا يعتدّ به شكلاً ومضموناً. ولذلك، يجب ان تكون للبنان ورقة موحدة وواضحة، ستشكّل مناسبة تفتح الباب امام ما يمكن ان يتقدم به لبنان لاحقاً من اقتراحات وطلبات.
فالملف كبير وخطير جداً، وليس من الذكاء او المصلحة البِناء على هذه المشاركة قبل ان يعيش موفد لبنان أجواء هذا المسار ليقرر الخطوة اللاحقة.