Site icon IMLebanon

لبنان «المحتل» يقاتل وحيًدا

قرأت مراًرا ماُنشر أخيًرا في الصحافة السعودية حول الموقف من اللبنانيين في الخليج٬ والدعوة «لطردهم». بعض المقالات غاضب بلا شك٬ وهي غضبة ليست جديدة على أصوات سعودية٬ يسوؤها أن ترى لبنان في معسكر أعداء الخليج٬ تحت عنوان النأي بالنفس. فكيف إذا كان النأي بالنفس عن قضية واضحة في كونها اعتداء سافًرا على مصالح المملكة العربية السعودية كما أقرت إيران نفسها٬ صدًقا أو دجلاً!

أتفّهم الغضب٬ وإشارات العتب الشديد على لبنان الواردة إما بصيغة رأي٬ أو نقلاً عن مسؤولين خليجيين. وكنت أنا نفسي أشرت لمثلها هنا نقلاً عن وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان!

ولعلي أكتب من موقع الفهم والتفهم هذين٬ لإثارة بعض النقاط الواجب إثارتها. اختلط في بعض المقالات٬ الهدف على القارئ؛ فتارة المستهدف هو لبنان٬ لا تعرف إن كان هو الدولة أو الوطن أو الشعب٬ وتارة هو اللبناني الإيراني٬ أي اللبناني الموالي لحزب الله٬ ومرة هو اللبناني المعارض الصامت عن جريمة بعض أهله٬ وأخرى هو اللبناني عامة٬ كجنسية٬ لا كدولة ونظام سياسي!

وأحسب أن هذا الخلط ناتج في العمق عن ازدواجية في التعاطي مع لبنان تارة كدولة وتارة كساحة! إذا كان الاشتباك مع الدولة اللبنانية٬ فلهذه الدولة سفراء ينبغي استدعاؤهم أولاً٬ لإشعار الدولة اللبنانية بسخونة الموقف٬ قبل أن نطالب بتدفيع الثمن للبنانيين في الخليج٬ علًما بأنهم في غالبيتهم كتلة معادية لحزب الله وسياساته!

لا بد لي أن أشهد هنا للجالية اللبنانية في الإمارات التي تجرأت على التضامن مع دولة الإمارات وشعبها في «يوم الشهيد»٬ رغم الخلاف اللبناني ­ اللبناني الكبير حول «عاصفة الحزم»٬ وبرعاية السفارة اللبنانية وبحضور وزير داخلية لبنان نهاد المشنوق الذي قال كلاًما غير مسبوق في شجاعته٬ داعًيا لمشروع عربي يسقط «الولاية والخلافة مًعا»!! كما أشهد للوبي الاقتصادي اللبناني في السعودية الذي نظم حملة «شكًرا.. عذًرا.. كفى» دفاًعا عن المصالح اللبنانية السعودية المشتركة.

أما إذا كانت الشكوى من لبنان كساحة٬ فيصبح السؤال الأهم عن الاستثمار السعودي والخليجي في «الساحة» اللبنانية بالمقارنة مع الاستثمار المقابل سياسًيا وإعلامًيا!

وهنا الخلط الخطير! إذ لا يجوز التعامل مع لبنان كدولة٬ ثم معاقبته كساحة٬ أي استهوال موقف وزير في «تجمع حكومات لبنان» والرد عليه بالتحريض على إنزال عقاب جماعي بمواطنين عزل٬ وإن كنت أدرك أن هذه الدعوة ليست أكثر من صرخة غضب مشروع٬ ولا يمكن أن تكون سياسة عامة في مملكة الخير!

ثم دعونا من المكابرة.

لو لم يكن لبنان مهًما٬ والكلمة فيه ذات صدى لما كانت تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بحق المملكة والخليج تستفز إلى هذا الحد٬ ولا كان الحاضنة الإعلامية والسياسية لكل العصابات والميليشيات والأبواق التي تديرها طهران٬ مما جعل من المنطقة الممتدة من بئر حسن وحتى حارة حريك٬ جنوب بيروت٬ أكبر مدينة إعلامية ومكتب سياسي لجماعة طهران!!

ولو لم يكن لبنان مهًما لما كان هو المحطة الثانية لمسلسل السطو الإيراني على مدن العرب بعد بغداد٬ ومنطلق المشروع الإيراني الذي تواجهه الرياض اليوم بشجاعة في اليمن وسوريا! ينبغي أن لا ننسى أنه منذ قررت واشنطن إسقاط نظام صدام حسين في العراق٬ تصرفت إيران على أن الفرصة سانحة للتغول والتوغل في أنسجة المجتمع والدولة في العالم العربي واللعب على التوازنات الداخلية فيهما. ثم كان الاغتيال الكبير للرئيس رفيق الحريري تتمة للدخول الإيراني على مغامرة اللعب بالتركيبة الاجتماعية والسياسية في العراق. كان اغتيال الحريري في العمق اغتيالاً لعروبة لبنان٬ وبداية وضع اليد عليه وتحويله إلى مستعمرة

على مغامرة اللعب بالتركيبة الاجتماعية والسياسية في العراق. كان اغتيال الحريري في العمق اغتيالاً لعروبة لبنان٬ وبداية وضع اليد عليه وتحويله إلى مستعمرة إيرانية كما هو حاله الآن. نعم٬ لبنان محتل٬ ولكنه لم يوقف مقاومته٬ ولذلك هو في قلب المعركة الدائرة اليوم وليس في هامشها٬ ومنه بدأ مسلسل الأثمان العربية الهائلة٬ يوم 14 فبراير (شباط) 2005.

لبنان غير المهم هذا انطلقت منه ولأربع سنوات أعنف ميليشيا مقاتلة في المنطقة٬ ونجحت في إعاقة الثورة السورية عن الوصول إلى مبتغاها. وحين عجزت عن حماية النظام وتطلب الأمر تدخل موسكو لإنجاز المهمة كان حزب الله قد استنزف الكثير من قوة دفع الثورة٬ وأسهمت جرائمه في استثارة أحقر ما في مكونات الثورة أو على ضفافها من راديكاليين ومتطرفين يلاقون إجرام الحزب بجريمة موازية وأكثر!

لبنان محتل٬ لكنه يقاتل. يقاتل من داخل الدولة حين يستطيع وبكلمة الحق في وجه السلطان الجائر دائًما. يقاتل وحيًدا وعارًيا٬ ومستنزًفا٬ ليس بآلة القتل وحسب٬ بل مستنزف من حلفائه الذين دفعوه دفًعا إلى تسويات قاتلة٬ ومن خصومه الذين أجهضوا هذه التسويات وأهدروا رصيده فيها. ومستنزف اليوم بالإهمال.

لبنان يقاوم وحيًدا. وإنَخَفَت صوت مقاومته فلأن أفضل من فينا بات تحت التراب ومن بقي ينتظر نحبه.

الغضب مشروع٬ لكنه ليس بديلاً عن المشروع. عودوا إلى لبنان.