نحن، بالتأكيد، لسنا دولة. إننا مجموعات من الشراذم، الفاتحة كلٌّ منها على حسابها، وفي النهاية بما يُضر بمصالح البلاد والعباد الى أبعد حدود الضرر، وأكثره قساوة، واسمح لنفسي أن أقول: وأكثره شراسةً.
ما نشاهده، على ساحة الغاز والنفط عندنا، لا يدعو فقط إلى الأسف والأسى، بل أيضاً إلى الحزن حتى البكاء بالمعنى الحرفي المباشر للكلمة…
فهل يجوز أن يتحول لبنان الأنَفة والكرامة إلى بلد “شحّادين” وهو يعوم على بحر من الثروة الطبيعية الهائلة؟
هل من المنطق أن تبقى ثرواتنا مدفونة في أعماق الأرض، تحت مياهنا الاقتصادية، في وقت نبحث عبثاً عن الطاقة فلا نجدها، وهي لنا، وملكنا، وباستطاعتنا الحصول عليها لو كان عندنا حد من الوطنية والالتزام بالواجب الوطني تجاه وطننا الذي كان زينة بلدان المنطقة فأنزلناه إلى حضيض المهانة والإذلال؟
لماذا، وكيف حصل ذلك؟
ببساطة (ولكنها موجعة): لأننا تغاضينا عن المصلحة الوطنية العليا من أجل مصالح ذاتية مدانة، ومن أجل ادعاءات طائفية ومذهبية نكراء! ..
وحتى اليوم لا تزال تلك المصالح تتحكم بالقرار، وإذا بالقيمين على مصالح الناس يمسحون بها الأرض… وإلّا لماذا لا نباشر التنقيب في المربعات البعيدة عن الخلاف مع العدو الإسرائيلي، فنباشر الحفر والتنقيب من دون أن نطلع من المفاوضات غير المباشرة؟!.
ألم يكن في مقدورنا التنقيب لاستخراج هذه الثروة الدفينة منذ سنوات قبل أن نجد أنفسنا عالقين في عنق زجاجة الخط 23 وعنق الخط 29؟! .
ألا يشعر الذين طيّفوا ومذهبوا هذه الثروة الستراتيجية الوطنية المصيرية أنهم قادوا البلد إلى الهاوية؟!.
قرأت، أمس، عن إبرام دولة قطر اتفاقيتي تطوير بعض حقول الغاز، لمجاراة مساعي الولايات المتحدة والغرب لمواجهة الأزمة الحادّة التي تسببت بها حرب أوكرانيا وتمثلت بتراجع إمدادات الغاز الروسي، استلحاقاً وتداركاً للشتاء الأوروبي القاسي والذي يزداد قساوة في غياب الغاز الروسي. وعليه عقدت الدوحة اتفاقاً مع عملاقَي شركات التنقيب والاستخراج، وهما شركتا “توتال” الفرنسية و”اني” الإيطالية بما يتوافق ومستجدات السوق العالمية… قطر التي حلّق بها الغاز إلى أعلى أجواء التطور والتقدم، لا تزال تنقب وتُطوّر، بينما لا نزال نرسف في وحول الخلافات والأحقاد والضغائن والشهوة المجرمة لكيفية استلاب ما يتبقى مما لم يسرقوه بعد؟!.