كان لبنان بانتظار مسؤول من عيار الوزير وائل ابو فاعور، ليقبض على الفساد من قرونه، ويخبر اللبنانيين انهم، منذ عقود يعيشون على جبل من الفساد، وقمة هذا الجبل الفاسد، تسلقها ابو فاعور امس، عندما دهم مطار رفيق الحريري الدولي، ولم يستطع ان يبقى في عنابره ومستودعاته، اكثر من دقائق قليلة، ليهرب من رائحة «المزبلة» التي تدعى عنابر ومستودعات، وهي التي «تحفظ» فيها اللحوم والاجبان والمأكولات المستوردة والاسماك والادوية جنبا الى جنب مع النفايات والاقذار والحشرات، فضلا عن مواد منتهية الصلاحية منذ اكثر من عشرين سنة.
كان لبنان بانتظار مسؤول من اخلاق الوزير ابو فاعور، وشجاعته ليتأكد للبنانيين، انهم منذ اكثر من عشرين سنة تحكمهم طبقة سياسية، ليست فاسدة فحسب، بل هي متآمرة على صحّة المواطنين وعلى اموالهم، وعلى كرامتهم، وفي ذات الوقت هي متآمرة على الدولة وحقوقها وسمعتها امام العالم، وامام الوافدين الى لبنان.
هذه الطبقة السياسية، وخصوصا الوزراء والمدراء العامين الذين تناوبوا على الوزارات المعنية بالامن الغذائي، مثل الصحة والاشغال والزراعة والاقتصاد والبيئة، لم يتركوا شيئا الاّ وافسدوه.
افسدوا القمح والحبوب، والادوية والالبان، والاسماك، واللحوم وغيرها من المشتقات وغير المشتقات، والتي هي من صنع الخارج او بضاعة محلية، وتسمم بسببهم طول هذه المدة، ألوف المواطنين، وبعضهم مات او اعيق، او نجا بعد الام واوجاع وخسائر، دون ان يتمكنوا من محاسبة احد او مقاضاة احد، لأن هذا «الاحد» هو الدولة الفاسدة، ليس في ما يتعلق بالامن الغذائي فحسب، بل في جميع الوزارات والادارات، حيث الصفقات والسمسرات والمال الحرام، والهدر «وحارة كل مين ايدو إلو».
لبنان اليوم، اشبه «بزريبة» مطار رفيق الحريري الدولي، الذي انفقت عليه الملايين ليكون وجه لبنان الجديد، الخارج من حرب استمرت 15 سنة.
هذه «الزريبة» الصغيرة او «المزبلة» الصغيرة ازكمت انف الوزير ابو فاعور، ومن كان معه، فماذا عن انوف اللبنانيين التي ازكمتها روائح الفساد في جميع مراحل حياتهم، من الولادة حتى القبر؟
هناك مسؤولون عن هذا الفساد، وعن هذه الفضائح، وهم، امّا ما زالوا في مركز المسؤولية، وامّا اصبحوا خارجها، يتنعمون بما جنوه من «عرقهم وتعب ايديهم»، وعلى رئيس الحكومة تمام سلام، غير الملوّث بالفساد، ان يحزم امره، ويترك في تاريخ لبنان، بصمة رئيس الحكومة، الذي اخذ بثأر اللبنانيين، وحاسب من اثرى بالباطل، ومن قصّر بحق الشعب عن قصد او عن غير قصد، ومن استغل منصبه ووظيفته لمصلحته او لمصلحة محاسبيه، او طائفته او مذهبه او حزبه، او زعيمه، ومن حمى مزوّر، او تاجر مخدرات، او مصنّع مخدرات، او قاتل ابرياء.
بهذه المواقف، يذكر التاريخ الرجال الكبار الشجعان، الذين نذروا انفسهم للخدمة العامة، ونفّذوا هذا النذر.
وائل ابو فاعور، كان المثل والمثال، ولحق به وزراء اخرون، وليت الحكومة تتحول الى ورشة عمل دائم، وليت الوزراء يتركون السياسة جانبا، لانهم لن يقدموا او يؤخروا في شيء، وينصرفون الى تنظيف وزاراتهم من الفساد الذي ينشر رائحته الكريهة في لبنان والجوار وفي العالم كلّه… وتقارير الفساد شاهد على ذلك.