IMLebanon

لبنان على حافة إنفجار كبير..؟

 

يعيش لبنان هذه الفترة أجواءً من التوتر والتحدي، تشبه إلى حد بعيد تلك المراحل التي شهدت أحداثاً جساماً، يخرج خلالها القطار السياسي عن خطه السلمي، وينزلق معه البلد إلى أتون العنف والحروب الداخلية، التي يمكن التكهن ببداياتها، ولكن لا أحد كان، ومازال، يعلم متى وكيف تنتهي!

إنتخابات عام ١٩٥٧ وما شابها من تزوير وتحديات، وإتهامات وإعتقالات، سبقت ما سمي آنذاك «ثورة ١٩٥٨»، التي كانت أشبه بالخنجر الأول الذي أصاب الصيغة اللبنانية، ولكن العقلاء العرب والسياسين الوطنيين تداركوا الأمر بالسرعة المرجوة، وعمدوا إلى إطفاء نيران الفتنة في المهد، وخرج الزعيم الراحل صائب سلام بشعاره الذهبي : لبنان واحد لا لبنانان!

الهزيمة العربية في حرب الخامس من حزيران عام ١٩٦٧، دقت جرس الإنذار الأول لمرحلة البحبوحة والإزدهار التي كان يعيشها لبنان، ولكن لا السياسيون اللبنانيون ولا القادة العرب، حاولوا إستدراك الإعصار الذي بدأ يلوح في أفق المنطقة، بسبب تداعيات الهزيمة، ليس على الوجدان العربي وحسب، بل وعلى أوضاع العديد من الدول العربية، إجتماعياً وإقتصادياً وعسكرياً.

شكلت حركة الفدائيين الفلسطينيين، التي قادت طلائعها منظمة «فتح»، أولى إهتزازات التسونامي الذي ضرب بسرعة المنطقة بأسرها، ووجد لبنان نفسه في قلب العاصفة، التي داهمت النظام اللبناني، وأدت إلى إعتكاف رئيس الحكومة الشهيد رشيد كرامي ستة أشهر، قبل التوصل إلى إتفاق القاهرة، الذي فتح أبواب الإنقسام والتوتر في لبنان على مصراعيها.

رئيس الجمهورية شارل حلو راهن على ديبلوماسية الوقت لمعالجة إشكالات الوجود الفدائي على الأرض اللبنانية، حتى يُجنب البلد الوقوع في حرب أهلية مدمرة، كما أورد في مذكراته لاحقاً.

ولكن خلفه الرئيس سليمان فرنجية حاول إستخدام القوة لحسم العلاقة مع الفصائل الفلسطينية، فكان الصدام الأقوى والمباشر مع الفلسطينيين عام ١٩٧٣، الذي ضاعف موجات التوتر والإنقسام بين اللبنانيين، ومهد بشكل أو بآخر، للحرب الأهلية البغيضة، التي أودت بالسلم الأهلي الهش، وأصابت لبنان بغيبوبة إستمرت خمس عشرة سنة، ما زالت البلاد والعباد يعانون من آثارها حتى اليوم، حيث تركت ندوباً، بل جراحاً، في الجسم اللبناني، لم تهتم الطبقة السياسية الجديدة بمعالجتها، إلى جانب ما أصاب البنية التحتية من خراب ودمار، تشهد على فداحته أزمة الكهرباء المستمرة منذ أكثر من ربع قرن!!

قبيل الإجتياح الإسرائيلي في حزيران عام ١٩٨٢، كانت الحرب اللبنانية أسيرة مراوحة مملّة، حيث عجزت الأطراف المتحاربة عن حسم المعارك لمصلحة أحدها، لأن اللعبة الجهنمية كانت محكومة بتوازنات خارجية، تحول دون الوصول إلى مرحلة الحسم. فجاء التدخل العسكري الإسرائيلي ليُخرج الفصائل الفلسطينية من الساحات اللبنانية، على أمل أن يخلو الوضع لتل أبيب وحلفائها المحليين. ولكن حسابات الحقل الإسرائيلي لم تطابق واقع البيدر اللبناني، فكان أن أشعل الإسرائيليون نيران الفتنة في الجبل، وعادت أصوات المدافع تعلو على لغة السياسة في لبنان.

تعب البلد، ولم يتعب المتحاربون من سنوات الحرب المديدة!

ولكن صفارة إنتهاء اللعبة القذرة إنطلقت مع إنعقاد  ، في وقت كان البعض يسير عكس السير ويستمر في حروبه الداخلية، متجاهلاً بيانات الإنذار. فكان أن تم إخراجه من الملعب، وخرج معه كل من حاول الإعتراض على إتفاق الطائف، الذي تم التوصل إليه بمواكبة عربية ودولية.

وعاش لبنان مرحلة جديدة من الإزدهار النسبي، على إيقاع إستقرار هش، كانت الإعتداءات الإسرائيلية تهزه بين الفينة والأخرى، ولكنه بقي متماسكاً بدعم عربي ودولي تجاوز كل الإختلافات اللبنانية التقليدية، التي عادت للتوتر والتصعيد عشية إغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث وقع البلد في متاهات الإنقسام والفتن المذهبية والطائفية، حولت لبنان إلى لبنانين : لبنان ١٤ آذار وآخر بإسم ٨ آذار!

ما أشبه اليوم بالبارحة، حيث كان تأليف الحكومات يستغرق أشهراً، والفراغ يداهم الرئاسة الأولى مع كل إستحقاق إنتخابي، والتعطيل يبقى سيد الموقف، إلى أن وصل البلد إلى ما هو عليه من أوجاع إقتصادية وإجتماعية، تهدد سلامة النسيج الوطني.

ولكن ثمة فارق لا بد من التوقف عنده: المعارضون في جبهة ٨ آذار أصبحوا أكثرية في مجلس النواب، وجماعة الأقلية في ١٤ آذار يحاولون الإمساك بسلاح الميثاقية لتعطيل مفعول الأكثرية الحالية، تماماً كما كان يفعل هؤلاء عندما كانوا أقلية في المجلس النيابي!

المحاولات الجارية من فريق العهد لتجاوز صلاحيات رئيس الحكومة، تدفع الأوضاع بالبلاد نحو مزيد من التشنج والتصعيد، في مرحلة أحوج ما يكون فيها لبنان إلى الهدوء والإستقرار، لتجاوز تحديات المرحلة الصعبة محلياً وإقليمياً.

فهل يتدارك أهل الحل والربط الوصول إلى الإنفجار الكبير، كما حصل بعد أحداث عام ٥٨، أم أن لغة التحدي والعنف ستكون هي عنوان المرحلة المقبلة، كما حدث في السبعينات، عشية إندلاع الحرب المقيتة؟