هو قَـدَر هذا الوطن المعذّب أن يكون على خط زلازل المنطقة، وفي خضم صراعاتها، المزمنة منها والمستجدة.
كلما حاول أن ينجو بنفسه من البراكين المتفجرة، تشتعل النيران فجأة حوله، وتحاول أن تلتهم سياجه، وتفتك بأبواب تحصيناته.
والأزمة السياسية الراهنة، هي حلقة جديدة، من مسلسل التحدّيات التي تُهدّد دائماً الاستقرار اللبناني، والذي رغم هشاشته، يستمر بمقاومة الرياح العاتية حتى النفس الأخير.
بين الشغور الرئاسي بالأمس، والفراغ الحكومي اليوم، مسافة ليست بعيدة عن مهاوي السقوط والانهيار، وكأنه كُتب على اللبنانيين كتم أنفاسهم، كلما وجدوا بلدهم يمشي على حبل مشدود فوق منخفضات تحيط بها جبال من الأزمات والنزاعات المحتدمة، بكل ألوان الحقد والعنف.
ليس بين اللبنانيين من يريد أن يستعيد مشهد سنوات الحرب البغيضة، التي دمّرت البشر والحجر على امتداد خمس عشرة سنة، وحصدت أكثر من مائتي ألف فتيل، وشرّدت مثلهم أو أكثر من قراهم ومناطقهم وما زالوا مهجّرين في وطنهم حتى اليوم.
ليس بين اللبنانيين مَن يعمل على نقل الخلافات السياسية والحزبية والطائفية إلى الشارع، لأن الجميع يُدرك مخاطر التفلت العشوائي، وسهولة تسلل المصطادين في المياه العكرة، لتحقيق أهدافهم الدنيئة بإشعال الفتن، وتغذية الحساسيات بين أبناء الحي الواحد، والمبنى الواحد!
لا بدّ من الاعتراف بأن استقالة الرئيس سعد الحريري أحدثت هزة قوية في الوضع السياسي، يخشى أن تصل تداعياتها إلى الاستقرار الاجتماعي والنقدي.
وحالة الترقب والقلق التي هيمنت على اللبنانيين، خوفاً من العودة إلى أيام الانقسامات في الساحات، والمواجهات في الشارع، تستدعي من كل الأطراف السياسية التمسّك بالحكمة وضبط النفس، لتمرير هذه المرحلة الصعبة بأقل قدر ممكن من الخسائر.
والبلد أحوج ما يكون اليوم إلى الاعتصام باتفاق الطائف ودستور الطائف، والابتعاد عن أسلوب المزايدات من هنا، ومحاولات الهيمنة والاستئثار من هناك، والعمل جدياً على إعادة التوازن إلى المعادلة الوطنية في السلطة، لأن ما أصابها من اختلال في السنة الأخيرة، وانعكاساته السيئة على القاعدة الشعبية وعلاقاته العربية لرئيس الحكومة، كانت في صلب الدوافع التي أدت إلى استقالته.
ولعل التذكير بما جاء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية، وما ورد في البيان الوزاري، من التزام بإبعاد لبنان عن الصراعات الإقليمية، وعدم الدخول في سياسة المحاور، يحتاج إلى خطوات عملية لتأكيد الحرص اللبناني على سياسة النأي بالنفس، ورفض الخضوع لتوجهات المحور الإيراني في المنطقة.
الأزمة السياسية المستجدة وضعت الوطن المعذب على فوهة بركان، قابل للتفجّر عند أول نسمة حارة تهبّ عليه من الحرائق المشتعلة في الإقليم.
فهل تتغلب العقلانية والحكمة هذه المرة، على ما عداها من أساليب الانفعال والتصعيد والتفجير..؟