كان لبنان حاضراً في محادثات الرئيس فرنسوا هولاند في الرياض، وسيكون حاضراً في القمة الأميركيّة – الخليجيّة في كامب دايفيد. الفرنسيّون لديهم قراءتهم منذ جولات جان فرنسوا جيرو المكوكيّة، وصولاً الى اللقاء الأخير للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي في الإليزيه. وللسعودييّن قراءتهم أيضاً، منذ 14 شباط 2005، وصولاً الى تدخّل «حزب الله» في أحداث اليمن، وهجومه الإعلامي غير المسبوق ضدّ المملكة.
ووفقاً لقراءة دبلوماسيّة، فإنّ محادثات الرياض كانت شاملة، وقد غابت عنها الإنتقائيّة، بمعنى أنّ ملف لبنان لم يتقدّم من حيث الأهميّة والنوعيّة على ملفات اليمن، وسوريا، وإيران، والإتفاق حول النووي، والإرهاب، لكنّ الجديّة طغت، وهناك ما يمكن البناء عليه إنطلاقاً من:
1 – توافق القادة في قمّة شرم الشيخ على أن تستعيد الدول العربيّة حضورها ومكانتها في ترتيب شؤون الشرق الأوسط، وقضاياه، بحيث لا يقتصر الأمر على تركيا، وإيران، وإسرائيل.
ثمّ إيلاء قدر أكبر من الإهتمام للساحات العربيّة المأزومة، والمساهمة في توفير المناخات الإيجابيّة التي تساعد على الدخول في حوار يفضي الى تفاهمات، وتسويات.
2 – لدى فرنسا رغبة متجددة بـ»التحزّب» للبنان. في الإمساك بمرفقه، ومساعدته وسط الظروف الصعبة التي تجتازها دول المنطقة. يقابلها رغبة محليّة بأن تعود لتلعب دور «الأم الحنون».
وقد كشفت الإتصالات والإجتماعات المتواصلة ما بين بيروت وباريس عن هذه الرغبة المشتركة لمواجهة المدّ الأصولي، والإرهاب، وتداعيات الأزمة في سوريا على الداخل اللبناني، والحرص على الإستقلال والسيادة، ودعم الإستقرار، وتفعيل لغة الحوار، والسعي الدائم لمؤازرة منطق الدولة على منطق الدويلات عن طريق تفعيل المؤسسات الرسميّة، وإيلاء الفراغ الرئاسي أهميّة خاصّة.
3 – لدى السعوديّة شعور مماثل، لكن من مقاربات مختلفة. تعتبر أنّ دورها مستهدفٌ منذ أن إنتزعت منها صلاحيّات تطبيق إتفاق الطائف. كما تعتبر أنّ الجهود التي بذلتها لإنعاش الحوار، وتغليب لغة العقل بعيداً من الوصايات الخارجيّة قد باءت كلها بالفشل.
أضف الى ذلك شعورها بأنّ الإحباط قد بدأ يتسلّل الى حلفائها، والمراهنين على دورها ومكانتها، خصوصاً بعدما طاولت الإغتيالات السياسيّة شخصيات بارزة، ووجوهاً معروفة في قوى 14 آذار.
ربما إلتقت المصالح السعوديّة – الفرنسيّة على فتح بعض النوافذ المقفلة، ليدخل هواء مختلف الى الداخل اللبناني الذي يعاني من الإختناق. لكن بالمقابل، لا يمكن إغفال الدوافع والمؤثرات التي تفاعلت بشكل غير مسبوق، وغير متوقع، وأدت الى هذه «الصحوة»، منها «القرف الخليجي من الإبتزاز الرخيص» الذي رافق عمليات التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب، من دون أن يتمكن من قصم ظهره.
والتوصل الى إطار إتفاق ما بين إيران والمجموعة 5+1 حول النووي من دون معرفة الخلفيات والمرامي. والتمدّد الحوثي عير المسبوق في اليمن. لقد شعرت السعوديّة في لحظة ما بأنها مستهدفة، وأنّ هناك مَن بدأ يأخذ عليها بأنها أصبحت أسيرة عقدتي «النقص والعجز»، لذلك إنتفضت، وأعلنت «عاصفة الحزم»، وترأست تحالفاً خليجيّاً- عربيّاً- إقليميّاً لإعادة الشرعيّة الى اليمن.
وفي سياق متصل، تؤكد القراءة الدبلوماسيّة بأنّ الرئيس سعد الحريري يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من «المتغيّر» الحاصل، وبكلام أكثر دقة، يمكن القول إنّ رياح «العاصفة» قد مدّته بـ«طاقة سياسيّة – دبلوماسيّة» باشر بترجمتها عمليّاً من خلال الحراك الواسع الذي بدأه في مصر، وتركيا، وفرنسا قبل أن يصل الى الولايات المتحدة، ليعود الى الرياض كي يكون على مقربة من القمّة السعوديّة – الفرنسيّة، وأيضاً من القمّة الخليجيّة مع هولاند، إستعداداً للمحادثات الأميركيّة – الخليجيّة في 13 و14 الجاري في كلّ من واشنطن، وكامب دايفيد، حيث سيكون الملف اللبناني طبَقاً دسماً على الطاولة، إنطلاقاً من إصرار خليجي على ضرورة الحدّ من النفوذ الإيراني في كلّ من اليمن، ولبنان، وسوريا، والعراق، مقابل الإتفاق بين إيران والمجموعة 5+1 في 30 من حزيران.
هل يوفّر التوافق الفرنسي- السعودي- الخليجي فرصة أمل جديّة لإخراج لبنان من دوامة الفراغ؟ ليس في النادي الدبلوماسي المحلّي مَن يجزم بتأكيد هذه الفرضيّة… لكن لا يستبعدها أيضاً، معوّلاً بذلك على مسلّمتين، الأولى: أنّ الأميركي جون كيري شريك أساس في هذا الحراك الناشط.
والثانية: أنّ الرياض لن تغفر لحزب الله إساءته اليها، وردّها سيكون عن طريق إعادة إحياء وتفعيل مؤسسات الدولة كجزء لا يتجزّء من سياسة تصفية الحسابات.