منذ توقيع الاتفاق النووي بين الدول الست (5+1) وايران، يتسابق المحللون على قراءة الفرص الاقتصادية التي ستُتاح للبنان للافادة من السوق الايراني الذي يبدو من أضخم اسواق المنطقة. لكن الواقعية تفترض الاشارة الى ان التطورات السياسية التي تلي الاتفاق ستقرّر مقدار الفرص المتاحة للبنانيين في المرحلة المقبلة.
يعتبر الاقتصاد الايراني قياسا بحجم السكان، القدرة الشرائية للفرد، مداخيل الدولة، اداء القطاع الخاص، مستوى المعرفة لدى السكان، من أهم الاقتصاديات في المنطقة. وقد عانى هذا الاقتصاد من حصار دولي مُحكم في السنوات الماضية الامر الذي جعله يفقد الكثير من قدراته على التطور والنمو.
وقد تمّ تجميد التطور في الكثير من المرافق الاقتصادية بسبب العقوبات. تبدو البلاد اليوم بمثابة «أرض خام»، تحتاج الى تنمية شاملة، وهي تمتلك المعطيات والثروات والقدرات لكي تباشر هذه الورشة التي تُقدّر قيمتها بمئات مليارات الدولارات. ومن البديهي ان الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة تمتلك الفرص للحصول على حصة الاسد من هذه السوق الواعدة في السنوات الخمس المقبلة.
في المقابل، هل يمتلك لبنان بقطاعيه العام والخاص الفرص المناسبة للحصول على حصة عادلة من السوق الايراني؟
في الجانب التقني، يمكن الادعاء ان المعطيات المتوفرة في لبنان اكثر من جيدة لاقتناص فرصة الافادة من انفتاح السوق الايراني. واذا كانت الانظار تتجه في الدرجة الاولى الى المصارف على اعتبار انها رأس حربة في مشروع الدخول الى ايران، إلا أن مروحة الاعمال واسعة، وليس من المستبعد ان يكون دخول المصارف الى ايران هو نتيجة وليس هدفا، بمعنى ان المصارف قد تفضّل الانتظار لكي يبدأ انتشار الاعمال والاستثمارات اللبنانية لكي تقوم بهذه الخطوة.
وفي هذا السياق، ودائما من الناحية التقنية، هناك قدرة لبنانية على تكبير حجم التجارة الخارجية مع ايران، كذلك هناك قدرات في مجال اقتصاد المعرفة، وقد اصبح العنصر البشري اللبناني في هذا المجال رائدا بين دول المنطقة.
في المقابل، هناك مشاريع كثيرة يمكن تنفيذها على مستوى الدولة الايرانية او الشركات الخاصة. ويستطيع لبنان الافادة من دعم ايراني اقتصادي على مستويات عدة، منها النفط والكهرباء والبنى التحتية بشكل عام. ولا بد من الاشارة الى أن العلاقات الاقتصادية بمفهومها الضيق، كانت جيدة ظاهريا منذ ما قبل الاتفاق النووي.
وقد وصلت العلاقات الى مستوى تشكيل لجنة لبنانية-ايرانية اقتصادية مشتركة بدأت على مستوى الوزراء، ثم اصبحت على مستوى لجنة عليا يترأسها رئيس الحكومة اللبنانية عن الجانب اللبناني ونائب رئيس الجمهورية عن الجانب الايراني.
لكن الجانب التقني الذي يبدو ملائما لكي يستفيد لبنان من «نيو ايران» ما بعد الاتفاق النووي، لا يكفي للتفاؤل، بل انه يكاد يكون غير مجدٍ، ولن يقود الى تعاون اقتصادي مع طهران ما لم يتم اتخاذ خطوات سياسية، هي الاساس.
وهنا، لا بد من الاشارة الى اتفاقات التعاون الاقتصادي العديدة التي عقدت بين بيروت وطهران ولم يتم تنفيذها. ولا بد ان البعض يتذكر بوضوح كيف ان السفير الايراني السابق في لبنان غضنفر ركن ابادي قام بجولات على المسؤولين لدعوتهم الىى تنفيذ الاتفاقات من دون نتيجة.
وبالتالي، لا بد من القول بوضوح ان العروضات السخية التي كان يتلقاها لبنان الرسمي وكان يرفضها على اعتبار ان هناك عقوبات دولية على ايران قد تعرقل التنفيذ، انما كانت في الواقع مجرد ذريعة، لأن السبب الحقيقي للرفض كان يرتبط بسياسة ايران في لبنان والمنطقة. وقد شكلت ايران محورا يقابله محور عربي. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية في غياب التعاون الاقتصادي.
اليوم، تتجه العقوبات الدولية على ايران لكي تكون من الماضي، والاقتصاد الايراني الذي عانى في الفترة الاخيرة من صعوبات أوصلت مستوى التضخّم السنوي الى حوالي 40 في المئة، قد يكون على وشك تحقيق قفزة معاكسة تجعله من اسرع الاقتصاديات نموا في العالم، في السنوات الخمس المقبلة. لكن، ومع الاسف، لن تكون فرص لبنان في الافادة من هذا النمو عادلة اذا لم تتغير السياسة الايرانية في المنطقة.
وحتى الان الاشارات متناقضة وليس مؤكدا المنحى الذي ستتخذه طهران حيال هذا الملف. وفي حين قررت طهران ارسال احد مسؤوليها الى سلطنة عمان وقطر في جولة تهدف الى فتح صفحة تعاون مع دول الخليج، قد توصل لاحقا الى اتصالات مباشرة مع السعودية، وهذا هو الاساس في تطبيع العلاقات الايرانية- العربية، وجه مرشد الثورة الايراينة السيد علي خامنئي رسالة الى المجاهدين، بدت وكأنها رسالة الى المتفائلين بتغيير السياسة الايرانية، مفادها ان طهران لن تغير هذه السياسة. وفي هذه الحال، لن تكون هناك فرصة حقيقية لايصال التعاون الاقتصادي بين لبنان وايران الى المستويات التي يحلم بها البعض في هذه الحقبة.