مرة جديدة يقفز يوم ٢٢ تشرين الثاني من روزنامة الوطن المقتول، مثل صيحة مدوّية في وجوه جميع اللبنانيين تقريباً ولا من يسمع:
أيها الخونة ماذا فعلتم بلبنان، أيها المجانين ماذا فعلتم بأنفسكم، أيها الحمقى ماذا فعلتم بمستقبل اولادكم، أيها اللصوص، السماسرة، العملاء، القتلة، والمخربون الذين لم تبنوا وطناً لكنكم جعلتموه مزرعة، والمزرعة مزبلة، والمزبلة عاراً، والعار يأساً، واليأس انتحاراً، والانتحار رحمة للخونة… ولا من ينتحر!
٢٢ تشرين الثاني لم يعد عيداً للاستقلال، صار سكيناً يبرم في عمق جروح الكرامة الوطنية، لم تعد الشمس تشرق من الروزنامة في ذلك النهار، صار العار ينهمر من الروزنامة في يوم العيد، وصارت المرارة تفرض تعطيل الذاكرة في ذلك اليوم، بعدما بات واقع الوطن يشجّ الصدر ويقطع عروق الكرامة والحس بالانتماء الى كيان جميل يتعرّض لتدمير منهجي … ونحن أطفال أغبياء يدمرون هويتهم كلعبة، و قبائل بدائية تحطم قاربها الوحيد وسط لجة بحر هائج!
ليس أشقى على النفس من ان يكتب المرء عن عيد استقلال وطنه الذي يحمل هويته ويترجم كيانه وكأنه يكتب عن قديس نسيه الفريسيون على الصليب فلا يدفن ولا يقوم، أو عن فارس يبقى مشنوقاً على مفارق المارة إقليميين ودوليين، أو عن أنشودة جميلة دماؤها تشطف الساحات والشوارع والبرية النائحة من الناقورة الى النهر الكبير.
لكنه ٢٢ تشرين الثاني، لتتكسر النصال على النصال في صدر لبنان، وقد بات لعيد الاستقلال مذاق العلقم، والاستقلال عند الشعوب يوم للاعتزاز وعندنا محطة للحزن وللخزي، يوم للمفاخرة والحماسة والنظر الى فوق، وعندنا يوم للخجل والقنوط وطأطأة الرأس والقلب الى عمق المرارات المتراكمة!
٢٢ تشرين الثاني مجرد ورقة في روزنامة، فقد سلخوا جلد الاستقلال، مجرد يوم آخر للوجع واليأس لأن معظم أهل السياسة عصابات ولصوص وخونة وسرّاقون، ولأننا جميعاً تقريباً مجموعة من الأميين الأغبياء في قبائل الهبل نعطيهم دائماً التكليف العام فيتحول حفلة لمص دمنا ودم لبنان ونظل مستعدين مجدداً لنعطيهم التكليف مجدداً ليجرموا ما تبقى من لحم على عظم لبنان، وفي الانتخابات غداً إذا تكرموا بإجرائها سننبطح: على رقابنا تدعس يا بيك وبالروح بالدم يا ريس!
انزعوا جلابيب الطائفية، انزعوا ثوبكم المذهبي واسلخوا جلدكم القبلي، وتعالوا عراة الى هوية الوطن الحقّ ليكون لبنان، وإلا سيبقى “غوغل” الذي رفع علمنا في العيد لبنانياً أكثر منا جميعاً… وإن كان الواجب يقضي بمعايدة الجيش وقد حاول استنهاض الحطام القبلي باستعادة صور كل الذين “قتلوا ليحيا لبنان” الذي كان يقتل مع كل منهم… وعلى رغم هذا نقشت معنا دخلنا “غينيس” بالمنقوشة… فصحتين!