تستنفر الاحزاب اللبنانية التي تتقاسم السلطة والنفوذ والمصالح في وجه كل محاولة للتغيير، أو الرفض الذي يمكن ان يدفع باتجاه تغيير ما، لأن الاوضاع الحالية، وإن سيئة، تؤمن لهذه الطبقة السياسية الاستمرار والتوريث أيضاً. يكذب السياسيون عندما يقولون إنهم يؤيدون الحراك المدني في شقه المطلبي، شرط ألاّ يتحول سياسياً، والا يقوم بأعمال شغب. والحقيقة ان اعمال الشغب الاخيرة اقتصرت على لوحي زجاج وحجار قليلة على حائط فندق. لكن السلطة امتنعت عن فتح الطريق في اليوم التالي لمزيد من إزعاج الناس، وعزي السبب الى الحراك. اما ان تتداخل السياسة بالشق المطلبي، فهذا امر طبيعي، اذ كيف يمكن الاعتراض على أداء وزير من دون ان يطال الانتقاد الفريق السياسي الذي ينتمي اليه. والسبب يعود الى الوزراء والنواب انفسهم، اذ غالبا ما يشكرون رؤساء احزابهم خلال مشاركتهم في احتفالات رسمية تخص الدولة لا الاحزاب، وينسبون الى اولياء نعمتهم الانجازات، ثم يعودون ادراجهم الى حائط مبكى الدولة عند الاخفاقات.
الاحزاب اللبنانية اتفقت على تعطيل الحراك، كل على طريقته:
– “القوات اللبنانية” الاكثر وضوحا ضد الحراك. لا لبس في الموقف. يتخوف من 7 ايار جديد، ومن مشاريع مرسومة في غرف سوداء. بصراحة الحزب ضد الحراك.
– “التيار الوطني الحر” التبس موقفه. فالمناصرون نزلوا الى الساحات في الايام الاولى، وأرادوا ان يقطفوا ثمن مشاركتهم. ركبوا الموج فحملهم الى مكان آخر مما استدعى منهم تراجعاً سريعاً، وتحديد مواعيد لحراك خاص بهم.
– الحزب التقدمي الاشتراكي شجّع زعيمه الحراك وأيده، لكنه تخوف أيضاً من الانجرار الى الفوضى، فطلبت منظمة الشباب التقدمي من اعضائها الانسحاب. رأوا في اعمال شغب محاولة لإسقاط الحكومة في الشارع، والدفع نحو فراغ كلي يقود الى مؤتمر تأسيسي.
– “تيار المستقبل” ضاع بين جمهوره الذي اندفع الى حراك رأى فيه وجهاً مفتقداً من ذكرى 14 آذار 2005، وبين تخوف من شعارات طالبت باسقاط النظام، ومن الحملة المركزة على وسط بيروت والمؤسسات القائمة فيه، فتبدل الخطاب المؤيد، وتحول الى مواجهة “حملة الانتقام من إرث رفيق الحريري”، فوقعوا في الخطيئة.
– حركة “أمل” وقعت في المحظور اذ استعمل مناصروها العنف والشغب لفرط الحراك الذي تجرأ على الرئيس نبيه بري موجهاً له الانتقادات القاسية اللهجة، كغيره من السياسيين، فعمدوا الى ضرب الناشطين وتكسير خيمهم.
– “حزب الله” استوعب الحراك، واعلن امينه العام تأييده لمطالبه، لكنه لم يدفع باتجاه الحل لمساعدة الحراك والحكومة، اذ لم يقدم الثنائي الشيعي حلاً منتظراً منه لسحب فتيل انفجار النفايات.
صحيح ان ناشطي الحراك وقعوا في المحظور باتهام الاحزاب والسياسيين بالفساد فخسروا دعمهم. لكن الحقيقة أيضاً انهم نطقوا بالحقيقة.