Site icon IMLebanon

لبنان شريك مؤامرة تهجــير مسيحيّي الشرق؟

 

منذ عام 2003، تاريخ سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، كان الساحلُ اللبناني من بعبدا مروراً بالمتن وصولاً الى كسروان وجبيل والبترون يعجّ باللاجئين المسيحيين العراقيين وخصوصاً الكلدان والآشوريين والسريان. ولم يعد بعض الأحياء يسعهم وكان أمل بعضهم بالعودة كبيراً بعدما تنتهي أحداثُ بلاده الأليمة.

هاجم تنظيم «القاعدة» بعض الكنائس والأحياء المسيحية العراقية وهجّرها، في حين أنّ العاملين الجغرافي والديموغرافي لم يسمحا للمسيحيين هناك بحمل السلاح والمقاومة.

وما لبثت أن انتهت موجة التهجير المسيحية الأولى، حتى أتت الموجة الثانية الأعنف في تاريخ العراق مع بروز تنظيم «داعش»، ليكتمل المشهد باشتداد الأزمة السورية وتهجير بعض البلدات المسيحية.

فشل لبنان في أن يكون ملجأً لمسيحيّي الشرق في وقت أصبح موطناً للنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، فيما أقصى الأمور المطلوبة كانت بالحفاظ عليهم من أجل عودتهم الى بلادهم عندما تهدأ الأمور، لا أن يوطّنوا في لبنان، لأنّ التوطين مرفوض لأيٍّ يكن.

والدور الذي كان مطلوباً من لبنان القيام به، لا ينطلق من أساس طائفي أو مذهبي، بل من أجل مصلحة الشرق، ومصلحة المسلمين قبل المسيحيين، لأنّ إفراغ أرض المسيح من مسيحيّيها يُفقد الشرق هويّته، ويجعله صحراء قاحلة لا تنوّع فيها.

مَن يراقب عملَ الأديرة وكل مَن اهتمّ بالمهجرين المسيحيين يلاحظ غيابَ خطة عمل أو إستراتيجية موحّدة تجمعهم، واقتصر عملُ بعض الأديرة على تأمين بعض الحاجات الأساسيّة لحظة وصول المهجّرين، أما المتابعة المستدامة فكانت غائبة.

وتُظهر إحصاءاتٌ، أنه مرّ على لبنان في السنوات الخمسة عشر الماضية ما يزيد عن مئة ألفِ مسيحيٍّ مشرقيّ، فيما تخطّت أرقامُ النازحين السوريين المليون والنصف مليون نازح.

واللافت حسب القيّمين على أحد الأديرة أنه عندما حصلت موجة الهجرة المسيحية الأولى من العراق بعد عام 2003، «لم نشهد تحرّكاً لأيٍّ من المنظمات الدولية أو هيئات الإغاثة لإعانة المهجّرين، بل إنّ معظم الذين ساعدوا، تحرّكوا بشكل فردي».

اما الأمر المثير للريبة، فهو حجم التسهيلات التي أعطيت للعائلات المسيحية من أجل الهجرة نحو أوروبا التي كانت تحتاج الى مهاجرين ويد عاملة، خصوصاً أنّ حجم الولادات في «القارة العجوز» منخفضٌ جدّاً.

ويرى بعض الروحيّين ممّن تابعوا مسألة تهجير المسيحيين أنّ جزءاً من المؤامرة كان يقضي بتهجير المسيحيين من العراق أولاً، ليأتوا الى لبنان حيث لا مقوّمات للصمود، من ثم يهاجرون الى أوروبا.

أما لماذا اختيار المسيحيين تحديداً، «لأنّ المسيحي يندمج بالمجتمع الأوروبي بسرعة أكثر من المسلم وذلك نتيجة عوامل دينية وثقافية واجتماعية وتربوية، خصوصاً أنّ غالبية المدارس المسيحية تستوحي مناهجها التربويّة من المناهج التعليمية الأوروبية».

وتشير بعض الأرقام إلى أنّ أكثر من 15 ألف عائلة مسيحية من العراق وسوريا هاجرت الى اوروبا وأوستراليا وأميركا وكندا منذ نحو 14 عاماً، والذين استقرّوا في لبنان، فإما لأنهم يعملون هنا، وهؤلاء يشكّلون نسبة قليلة، أو لأنهم يأملون بالعودة الى قراهم، في حين أنّ القسم الأكبر يستكمل أوراقه المطلوبة من أجل الهجرة وينتظر قرار السفارات الغربية.

وفي هذه الأثناء، لم تستطع الرهبانيات والبطريركيات مجتمعةً الحفاظ على الوجود المسيحي أو وضع تصوّر أو خطة عمل، فكان الكلداني أو الآشوري المهجّر مثلاً يأتي الى رعيّته لتتكفّل به، بينما يقتصر دور بقية الكنائس على المساعدة فقط إذا دعت الحاجة القصوى.

لا شك أنّ أحداث الشرق فاجأت الجميع، والأكثريات الطائفية قبل الأقليات، لكنّ سفراء الدول المسيحية الكبرى لم يكن همُّهم يوماً الوجود المسيحي في الشرق حسبما تكشف المرجعيات الروحية المسيحية. والدليل على ذلك، أنّ الدول الكبرى مجتمعة لم تتحرّك لإعالة العائلات المسيحية النازحة، في حين أنها تتسابق منذ 7 سنوات على تقديم المساعدة والدعم للنازح السوري لكي يبقى في لبنان ولا يعود الى أرضه.

وتعلو الصرخاتُ في الكنائس من مخطّط إفراغ الشرق من مسيحيّيه، خصوصاً أنّ أعداد المسيحيين انخفضت بشكل مخيف في العراق وسوريا والأراضي المقدّسة بفعل الحروب والأزمات وموجات التهجير المتتالية.

في المقابل، سيذكر التاريخ يوماً بصفحاته السوداء أنّ لبنان كان محطة لهجرة مسيحيّي الشرق نحو الغرب بدل الحفاظ عليهم، فيما فشل مَن يدّعون أنهم قادة المسيحيين، السياسيين والدينيين، من لعب دورهم وتثبيتهم في أرضهم، وكان كل همّهم «التناتش على الحصص» واقتسام المغانم.