IMLebanon

لبنان المسكين بقيادته

التقيت مساء الثلثاء 2015/9/15 سفير دولة اوروبية مميزة بنظامها واستقرارها وازدهارها، وهو يتولى تمثيل دولته في لبنان منذ خمس سنوات وان يكن يعرف لبنان منذ عشر سنين.

قال لي: لقد احببت هذا البلد منذ سنوات واعجبت بطاقات شبابه وشاباته وكنت آمل على رغم تدفق اللاجئين السوريين باعداد ضخمة قياسا بعدد سكان البلد ان يستطيع لبنان، وخصوصاً اذا توافر حل سياسي للوضع السوري، استعادة نفس الانجاز والازدهار في وقت قريب.

آمالي صفعتها ازمة النفايات التي نواجهها في الشوارع ونشهد الانتفاضة التي بدأت بنفس ايجابي واخذت تتحول عن مسارها لتعدد الافرقاء في الشوارع والساحات ومطالبة بعضهم بنسيان حقوق الملكية وتعميم الشعبوية غير المنتظمة.

عجز الحكم وممثلي الشعب عن تلمس حاجات المواطنين واقرار الخطوات الاستباقية التي تمتص النقمة الشعبية أمر لا يتفهمه السفير المعني، فاللبنانيون تحملوا اعباء انقطاع الكهرباء على رغم وضع خطة لتأمينها 24/24 في 2015، وانقطاع الكهرباء وشراؤها من المولدات الخاصة القيا اعباء على المواطنين لا تقل سنويا، ما بين اشتراكات المولدات الخاصة واصلاح المعدات الكهربائية وتلف الاغذية واحياناً الادوية، عن 1,5 مليار دولار.

اليوم، في خضم ازمة النفايات وانقطاع الكهرباء، نشهد طوابير شاحنات توزيع المياه، هذا في سنة نعم فيها لبنان بمعدل تساقط للامطار غزير وكذلك تراكم الثلوج أشهراً وانسيابها الى باطن الارض والخزانات التي ينهل منها المواطنون مياها كان يفترض ان تتوافر عبر قنوات يفترض صيانتها عوض هدر انسيابها بنسبة 30 في المئة على الاقل بسبب عدم صيانة القنوات التي تمد المدن الساحلية وبيروت بالمياه.

الوعد بأن أعمال سد بسري ستبدأ بدعم قروض من البنك الدولي ومؤسسات اقراضية انمائية عربية، يبدو انه تبخر هو ايضا كالمياه المهدورة في الاقنية المهملة لان مجلس النواب لا ينعقد لاقرار قوانين تمكن من الاستفادة من القروض، وبيروت التي كان يفترض ان تكفي حاجات سكانها لسنوات بعد انجاز سد بسري لا ترى من المياه مستقبلاً الا مياه البحر الملوثة بالنفايات.

جمهورية مصر تحقق اكتشافاً بالغ الاهمية للغاز في مياهها الاقليمية، ودراسات توافر الغاز والنفط في المياه الاقليمية لبلدان الشاطىء الشرقي للمتوسط متوافرة منذ عام 2010، وقانون استثمار النفط والغاز لا ينتظر سوى اقرار اجراءات بسيطة تضمن حقوق لبنان من انجاز عقود للبحث والتنقيب عن الغاز والنفط، واللبنانيون اعتبروا منذ سنوات ان اعمال البحث والتنقيب ستبدأ في وقت قريب وهم لا يزالون ينتظرون، لأن مجلس النواب لا ينعقد، ولماذا لا ينعقد؟

يفترض ان الجلسة الاولى لمجلس النواب، في حال اكتمال نصابها القانوني، لا تعقد بسبب الاختلاف على هوية من سينتخب رئيساً للجمهورية، وها قد انقضت سنة وتزيد ولا تزال هوية الرئيس مغيبة نتيجة مواقف سياسية متضاربة.

الكهرباء، المياه، القروض الدولية، استكشاف ثروات الغاز والنفط كلها مغيبة في انتظار اكتمال نصاب المجلس، واضيفت الى كل ذلك ازمة النفايات وبشاعتها. ولا شك في ان الوزير أكرم شهيب بذل جهودا مشكورة لمعالجة المشكلة، لكن توصياته تبقى حتى في حال تنفيذها حلاً موقتاً في انتظار الاقدام على خطة متكاملة ومتطورة لمعالجة النفايات والاستفادة من امكانات لتأمين الكهرباء في حال تنفيذ خطة كهذه.

لقد حظيت حكومة تمام سلام، وهو رئيس يتمتع بالصدقية وطول البال والابتعاد عن المصالح الخاصة، باقتراحات جدية لمعالجة موضوع النفايات، ومن الذين قدموا مشاريع حلول شركة بريطانية أوصت بانشاء ست محطات لمعالجة النفايات تنجزها على حسابها ولا تطلب من الدولة أي تمويل، على ان تستعيد استثمارها وعائداته من تأمين كميات كبيرة من الكهرباء بأسعار تقل كثيراً عما يدفعه اللبنانيون للمولدات الخاصة. ولكن يبدو ان أي خطة اصلاحية انمائية لا تلقى الانتباه اللازم ما لم توفر منافع لهذه الفئة أو تلك، لهذا الزعيم أو ذاك، واللبنانيون الطيبون منسيون ومهملون، فالاهتمام بالشأن الاعم لدى غالبية السياسيين يعتبر ترفاً.

خبراء وفدوا من هولندا، البلد الصغير ذي النجاح الكبير، لدراسة اوضاع المياه، ومعالجة النفايات. وهولندا تعالج نفايات سكانها البالغ عددهم 12 مليون نسمة يتمتعون بمستوى من أرفع مستويات المعيشة في العالم، وهي لا تطمر منها سوى نسبة ثلاثة في المئة معظمها من النفايات الصلبة.

زار خبراء هولنديون ثلاثة لبنان وركزوا على دراسة شؤون المياه ومعالجة النفايات وقدموا تقاريرهم التي تبين القدرة على توفير المياه لحاجات جميع اللبنانيين سواء منها الحاجات المنزلية أو الزراعية أو الصناعية، وبيَّنوا امكانات معالجة النفايات، وقد حصل ذلك قبل سنة على الاقل، لكن ردود فعل المسؤولين عن قضايا المياه والنفايات كانت الصمت المطبق.

ماذا جنينا نحن اللبنانيين من كل ذلك؟

اعتكاف وزير البيئة عن المشاركة في لجنة معالجة النفايات، ولعل هذا الاعتكاف كانت فيه مصلحة لان الوزير شهيب توصل مع فريق من الخبراء الى وضع خطة مرحلية، يفترض ان يواكبها العمل منذ الآن على وضع خطة حضارية متكاملة لمعالجة مشكلة مستدامة.

ووزير الداخلية الذي له حق الوصاية على البلديات ومنها بلدية بيروت التي تتجمع فيها نسبة 75 في المئة من النفايات اليومية في لبنان، والتي لديها الاموال لانجاز معامل حديثة للمعالجة استفاق بعد سنة على دوره المطلوب واجتمع بممثلي بعض البلديات، وخاطب المتظاهرين بلغة لا تفيد ولا تساهم في حل.

غالبية النواب والوزراء يدركون انهم يعيشون في القرن الحادي والعشرين عندما يستعملون الهواتف النقالة ولا يدفعون فواتيرها وعندما يستهلكون الكهرباء من غير ان يسددوا الاشتراكات، وعندما يتنقلون بسيارات فخمة ذات دفع رباعي معفاة من الرسوم الجمركية، واحيانا بمواكبة دراجات، وهم في الواقع مغيبون عن قضايا القرن الحادي والعشرين، وتصرفاتهم توحي بانهم لا يزالون بافكارهم وتصرفاتهم من مواليد القرن التاسع عشر.

كيف للبنان ان يستمر وان ينمو وان يزدهر مع زمرة النواب والوزراء المغيبين عن حاجات الشعب واهتماماته والمغيبين فعلاً عما يجري في البلدان النامية التي تتمتع بمجالس نيابية حقيقية نوابها يعتبرون انهم يمثلون مصالح الامة، لا العشيرة، أو الطائفة، أو المذهب.

حقا لبنان مسكين بالقيادة التي تجره الى الوراء.