قرار مجلس الأمن الدولي الذي يحمل الرقم ٢٢٥٤ فتح ثغرة مشرقة في جدار الأزمة السورية المسدود، فإلى جانب وقف اطلاق النار ابتداء من كانون الثاني المقبل، جهّز قاعدة اطلاق المفاوضات السياسية بين النظام والمعارضة.
وطبعاً ما كان هذا ليكون لولا التفاهم الأميركي – الروسي، الذي وضعت أولى لُبناته بالاتفاق النووي الايراني – الغربي، والذي استتبعه تواً، التغيير الايجابي الذي طرأ على مجرى المعارك في اليمن والحبل العراقي على الجرار…
وهذا التفاهم يتضمن بنوداً عدة تتناول مسائل اقليمية ودولية، وما يعنينا في لبنان أن نحصل على حصة وازنة منه وأسرعها الاستحقاقات الدستورية، ثم الخدماتية المتصلة بمصالح الناس، وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية يحصل على ثقة الجميع ويكون المدخل للخروج من حالة اللادولة، كما يقول البطريرك بشارة الراعي الذي جدد الدعوة أمس للجميع، ويقصد القيادات المارونية، للتصالح مع أنفسهم والتشاور بشأن المبادرة الجديدة الجدية، وبالتالي كشف اوراقهم والاقلاع عن المماطلة….
لم يسبق لغبطته أن تكلم بهذه الصراحة، وهذا الوضوح، لولا ان السيل قد بلغ الزبى لديه، وهو يرى الآن، كقيادات لبنانية كثيرة، ان صدور قرار مجلس الامن هذا، هو بمثابة نجمة الأمل بالنسبة الى السوريين واللبنانيين، السوريون الذين دمرهم الصراع وشتتهم ويكاد أن يذهب بريحهم، واللبنانيون الذين أحضر بعضهم الدب الى كرمه، ولا زالت آثار نهش أنيابه ساخنة…
على ان ثمة نقطة تفصيلية في القرار الدولي بخصوص سوريا، اذ تضمن نصاً على العودة الطوعية للاجئين السوريين الى بلدهم، وهذا ما اثار اعتراض الوزير جبران باسيل، الذي طالب بان كي مون بالعودة الالزامية بدل الطوعية، التي هي بنظره صنو التوطين.
بمقابل قلق الوزير باسيل حيال هذه النقطة في القرار الدولي، هناك من يشعر بالقلق، على الضفة اللبنانية الأخرى، من الطبيعة السياسية الصفقاتية للمفاوض الأميركي، مقابل الطبيعة الدبلوماسية العميقة للمفاوض الروسي، الأكثر تشبثاً بما يعتبره مصلحة قومية، ومنشأ القلق سهولة تبدل المواقف الأميركية، التي تشبه ناقل السرعة في السيارات الحديثة…
ورب خائف على التسوية الرئاسية التي أطلقها الرئيس سعد الحريري، وتلقفها النائب سليمان فرنجيه، بواقعية سياسية صادقة، كما وصفه الوزير نهاد المشنوق، من ارتدادات اعلان التحالف الاسلامي من الرياض، أو من القرارات المالية للادارة الأميركية ضد حزب الله، والراهن أن ثمة مصدرا آخر للعرقلة، أشد ضرراً على مسار التسوية، ويتمثل بالعقوبات الدولية على ايران المفترض رفعها في أواخر حزيران المقبل، وخشية طهران هنا أن تعمد واشنطن الى إبطاء رفع العقوبات، بذريعة عدم التزام ايران بكامل بنود الاتفاق النووي، ولذلك تبدو باحثة عن أوراق للضغط المقابل عند الحاجة، وفي هذه الحالة ما يخشاه بعض اللبنانيين السياديين، ان لا يكون في الميدان الإقليمي غير حدَيْدان اللبناني، اي رئاسة الجمهورية، التي يفترض ان تتخلص من الشغور المقيم، قبل حلول الربيع، الربيع المناخي وربيع المملكة الدولية…
وبمراجعة اللاءات المتلاحقة من منابر الثامن من آذار، منذ ترشيح فرنجية لنفسه وسط الارتياح النسبي العام، يتبدى أن في جعبة المعترضين سهاماً كثيرة قابلة للاستعمال، من الحملة الحامية على التحالف الإسلامي الى افتعال مشكلة على مستوى رئاسة الحكومة العتيدة، حتى قبل ان يجري انتخاب رئيس للجمهورية، الى قانون الإنتخابات، وصولاً الى ما يتردّد عن عزم بعض الجهات طرح فكرة تعيين نائب لرئيس الجمهورية، وكأن الفراغ الرئاسي الذي ابتليَ به لبنان، في فترة ما بعد حقبة النظام السوري مرشح للديمومة!.
وقد تكون بداية غيث العرقلة، أمام مجلس الوزراء عصر اليوم، عند طرح مشروع ترحيل النفايات على بساط البحث، فالإعتراض على هذا الطرح، سيكون من باب غياب الشفافية واستنكار فورة الأسعار، او لإنتفاء العدالة في عملية المحاصصة التقليدية، لكن مهما كانت المبررات والذرائع، لم يعد الهرم السياسي للدولة اللبنانية يتحمّل حتى كلام الحق، إذا كان يراد به إبطال تسوية الإنتخابات الرئاسية، فكيف إذا كانت كلمة الحق خارج القواميس اللبنانية المتداولة؟…