على الرّغم من زحمة الأرقام الهائلة للمغتربين الآتين لإمضاء صيفهم في لبنان المُعذّب والمتكيّف والمتفوّق على كلّ عذاباته ومعذّبيه وانصرافه إلى حفلات الصيف المدهشة التي تنافس مدن ومهرجانات العالم، في السياسة الشعور عارم بأنّ ما بعد الصّيف أيّام مقبلة كفيلة بجرّ لبنان إلى حيث لا يريد، الانفجار أو الفوضى نحن تحت قعر القعر وحالنا أسوأ من حال الغواصّة التي انفجرت من داخلها في ظلّ التيتانيك الراقدة في قاع الأطلسي فكيف بتيتانيك القاع اللبناني الذي بات من الصعب جدّاً أن ينقذنا منه أحد!
منذ الأيمان المغلّظة على مذبح مار الياس إنطلياس عام 1840 إلى قسم جبران تويني عام 2005 لم يتغيّر شيء في حال اللبنانيين، للأسف لا نزال محكومين بقلق مرضيّ من تفلّت أمنيّ غالباً ما نجد الجميع يتحدّثون عنه علانيّة أو سرّاً، مثلما نحن محكومون بحالة عدم انتظار لأي تحسّن يطرأ على الوضع مهما كان طفيفاً يساعد اللبنانيّين على الاستمرار لأنّ عدم الانتظار ينقذهم من الإحساس بالخيبات الكبرى التي أغرقوا فيها، فقد المواطن اللبناني ثقته نهائيّاً بكلّ الشعارات، فلم تعد النّاس تحتمل هذه المهازل والاستهتار في وقت لا يوجد فيه مسؤولون يأخذون البلد على محمل الجدّ أو يقدّرون خطورة الواقع، المشهد اللبناني لا يُصدّق، هستيريا وضبابيّة مخيفة لا يستطيع معها أحد أن يقرأ الأحداث والاضطرابات التي تخبئها الأيام المقبلة للبنان لقد أقفلت اللعبة نهائيّاً في وجه كلّ اللاعبين وكلّ الأفرقاء وكلّ المؤسّسات التي يعوّل على استمرارها وجود لبنان، لقد تضافرت جهود كلّ المتورّطين لإيصال البلاد إلى هذه اللحظة ،أإلى هذه الدّرجة اللبناني رخيص عند هؤلاء؟ مع أنّه أيّ شعب آخر في هذا العالم يعجز عن احتمال دولة وشعباً كالذي عندنا فنرى اللبناني متواطىء على نفسه ووطنه وسط واقع لئيم يؤكد أنّ لبنان والشّعب اللبناني ميؤوس منه وحالته مستعصية على الحلّ! المتاح من الزمن الدولي للعبث اللبناني المستمرّ لم يعد مهمّاً “ما حدا فاضيلنا” والفرنسي وموكّله الأميركي عادا مراراً من لبنان بـ”خفيّ حُنيْن” لأنّ الذين يلون أمور اللبنانيين مافيا مدرّبة على تضييع القرار اللبناني بنفس المهارة التي تنهب فيها ثروات الشعب، ما هي حدود هذا الإنهيار الذي قد ينقذنا من هذا الواقع وما هي ضوابطه؟ أم هل هو الانهيار الكلّي والمطلق والذي لا ولادة ولا قيامة للبنان من بعده؟!
المؤكّد أنّنا كلبنان الكيان والشّعب والدّولة والنّظام لم ولن ننجو من هذا الواقع السياسي المفزع والذي يفوق عمره الثلاثة قرون وليس فقط مئة عام من عمر “اختراع” دولة لبنان الكبير، ونظرة على تاريخنا منذ العام 1832 واحتلال إبراهيم باشا المصري واحتلاله للبنان وبلاد الشّام وخروجه منه عام 1840 والقلق والفوضى والتسيّب والتّشرذم بين الطوائف ذاتها والتدخّل الدّائم للدّول الأوروبيّة وقناصلها بطلب ملحّ من اللبنانيّين أنفسهم، المشهد اليوم هو ذاته تكرّر عشرات المرّات في تاريخنا، منذ العام 1840 ونحن ندّعي الوحدة ونقسم “الأيمانات المغلّظة” سواء على مذبح مار الياس ـ إنطلياس أو في ساحة الشّهداء ثم ننفضّ منقلبين على اليمين الذي حلفناه ويعود كلّ فريق إلى راعيه الدّولي، ونتناكف ويحارب بعضنا بعضنا وتتردّد أصداء المجازر والاضطرابات الأمنيّة الدّمويّة وبعد كلّ حرب يضعون لنا نظام حكم وتفشل هذه الأنظمة الواحد تلو الأخر وفي بضع سنوات!!