كان لافتاً قول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في كلامه، أمس، من السراي الكبير، الذي ورد فيه أن وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنطوني بلينكن اتصل به ليعرضا للوضع بالغ الخطورة جرّاء العدوان الإسرائيلي على لبنان جنوباً وبقاعاً والعاصمة بيروت وضاحيتها. أمّا اللافت فإن بلينكن ختم الاتصال بالدعوة الى انتخاب رئيسٍ للجمهورية يسد الفراغ في رأس السلطة في لبنان. ولم يكشف ميقاتي عن المزيد من التفاصيل في هذه النقطة التي ممّا لا شك فيه أنها كانت مدار تداول بين الرجلين ببعض التفصيل. ولا نقول إن واشنطن مهتمة، حديثاً، بالاستحقاق الرئاسي، إذ كلنا نعرف أنها منخرطة فيه، وأن لها غيرَ مرشّحٍ تدعمهم بنسبٍ مختلفة يتقدمهم «المرشح الفافوري» الذي تتزايد حظوظه مع وضعية التطورات الميدانية في هذه المرحلة.
في أي حال، من حق اللبنانيين أن يأملوا بانتخاب «رئيس للفصول كلّها». بمعنى آخر يريد اللبنانيون رئيساً يقود البلاد الى العافية، ويُرسي مع الحكومة أساس وطن لا يبقى عرضة للاهتزاز بين وقت وآخر، بل يثبّت الكيان اللبناني على قواعد راسخة. أي لا يكون رئيساً يفرضه العدوان، ولا يفرضه حزب ضد آخر، أو فريق ضد فريق، وليس لطرف ضد الطرف الآخر…
إن هكذا رئيساً منشوداً يُفترض به أن تكون لديه رؤية بنيانية مزدوجة: من جهة كيف نبني وطناً منيعاً متمكنة دولته من الدفاع عن ذاتها وشعبها. ومن جهة ثانية متمكنة من توفير أفضل سُبُل العيش ومواكبة العصر الذي كنا من رواده فبتنا في الذيل.
وهذا يعني، بالضرورة، تصوّر الرد على السؤال المزمن: أي لبنان نريد؟ فمنذ وعينا السياسي كان هذا السؤال الأثير قد طلع به الرئيس المؤسّس لحزب الكتائب المرحوم الشيخ بيار الجميّل، ولم يلبث أن دار على كل شفة ولسان في الجماعة السياسية.
وخلفية استحضار هذا السؤال اليوم تكمن في عجز النظام الحالي عن توفير الحماية والطمأنينة والأمن ومقوّمات الحياة الطبيعية للشعب. فهل مَن يجهل أن هذا النظام قد فشل فشلاً ذريعاً في التغلب على الأزمات؟ ومن أسفٍ شديد أنه في هذا النظام ومعه سقطت الدولة، وأفلست الدولة، وهيمنت عليها الميليشيات والفاسدون، فداسوا القانون بالأرجل، وغابت المحاسبة، وصارت سرقة المال العام شطارة، وصار الإرتهان للأجنبي مفخرة، وما بين هذا وتلك انهار الوطن بمقوّماته كلِّها.
لذلك قد يكون المطلوب أي وطن نريد؟ والوطن الذي نريده ونتوافق عليه يقتضي انتخاب رئيس صاحب قدرة وثقافة وعزيمة ولا سيما أن يتحلّى بالصلابة والعدالة في آنٍ معاً. فهل هذا ممكن؟ أو بالأحرى هل هو مسموح به؟!.