يعتمد لبنان على روسيا لتحريك مسألة ترسيم الحدود بينه وبين العدو الإسرائيلي، لا سيما بعد زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأخيرة الى موسكو، كما إثر تحسين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علاقته مع الحكومة الإسرائيلية من خلال استقباله أخيراً بنيامين نتنياهو وتقديم هدية له هي رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل الذي فُقد منذ 37 عاماً. كما ينتظر أن تقوم روسيا بتفعيل المبادرة الروسية بشأن إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، خصوصاً وأنّ العمل جارٍ مع الأردن كذلك لتسهيل عودتهم، وذلك تزامناً مع التغيير الملموس في الموقف الأميركي تجاه أزمة النزوح.
فالعلاقات اللبنانية – الروسية متينة جدّاً وتعود الى زمن بعيد، على ما تقول مصادر سياسية مطّلعة، وترتبط بمساندة روسيا للمسيحيين في لبنان والمنطقة، ليس فقط في المرحلة الراهنة، إنّما منذ عهد القيصر إيفان الرابع الذي قام بتقديم مساعدات سخيّة لكنيسة أنطاكيا الأرثوذكسية وخصّص مبالغ طائلة من الخزينة بهدف تغطية احتياجات مسيحيي الشرق الأوسط. ومنذ ذلك الحين، تولي موسكو اهتماماً خاصّاً بلبنان من خلال سياستها الخارجية الناشطة في المنطقة، الأمر الذي جعلها تضع المبادرة الروسية بشأن إعادة النازحين، وتضع بنوداً عدّة لها، وتقوم بالترويج لها لدى المجتمع الدولي بهدف تأمين التمويل المناسب لها كونها ستعيد أكثر من 6.6 مليون نازح سوري الى بلادهم من لبنان ودول الجوار من ضمن 45 بلداً في العالم.
وأفادت المعلومات في هذا الإطار، بأنّ روسيا قامت خلال الـ 24 ساعة الماضية بإعادة 971 نازحاً سورياً الى بلادهم، بينهم 314 من لبنان عبر معابر جديدة يابوس وتلكلخ، و657 من الأردن عبر معبر نصيب. ومنذ 18 تمّوز من العام الماضي، سجّلت عودة 181 ألف و670 نازحا سوريا، من بينهم 64662 من لبنان عبر المعابر كافة، و117008 من الأردن. الأمر الذي يدلّ على استكمال مبادرة إعادة النازحين الى بلادهم يوماً بيوم، ويؤشّر الى أنّه في حال استمرّت العودة على الوتيرة ذاتها، فإنّ عدداً كبيراً من النازحين سيعود خلال الأشهر الستة المقبلة. كما تستكمل إنشاء هيئات التنسيق في كلّ من روسيا وسوريا ولبنان والأردن، بهدف إنجاح المبادرة الروسية بشأن النازحين التي يتمّ تعزيز عملها فيها.
وأوضحت المصادر بأنّ روسيا التي تُعزّز حضورها العسكري في المنطقة من خلال القواعد العسكرية التي أنشأتها في سوريا، لا تقوم بالعمل ذاته في لبنان، إذ أنّها لا تتدخّل عسكرياً فيه، والدليل أنّه ليس لديها أي جندي في قوّات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان، ولا تسعى لأن يكون لديها، وإن كانت هذه القوة تشمل دولا عدّة في العالم. وتعلّل ذلك بأنّ اهتماماتها مختلفة في لبنان، وتسعى اليوم الى تثبيت حضورها إقتصادياً من خلال مشاركة شركة النفط الروسية «نوفاتيك» في «اتحاد الشركات» الذي لزّمه لبنان التنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و9 في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان في المياه الإقليمية.
ومن هنا، فإنّ المصادر كشفت عن اهتمام روسيا بالحفاظ على الأمن والإستقرار في جنوب لبنان، لكي يتمكّن «إتحاد الشركات» من بدء عمله، على ما يُفترض، في أواخر العالم الجاري (2019). ولأنّ الخلاف على ترسيم الحدود البحرية والبرّية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، يشي بإمكانية حصول توتّر أمني بين الجانبين، فإنّ روسيا ستضع ثقلها من أجل تحريك مسألة الحدود والضغط لدى الطرف الآخر لاستكمال المفاوضات وإيجاد حلّ نهائي لهذه المسألة. فهذا الأمر يجعل الشركات العالمية تقوم بعملها في استخراج الثروة الطبيعية من دون أي خشية أو خوف من حصول إشتباكات أمنية بين لبنان والعدو الإسرائيلي.
وأشارت المصادر الى أهمية ضمان الإستقرار في المنطقة الحدودية على أساس الإحترام الصارم لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 من قبل الأطراف المعنية، إذ ليس مقبولاً أن يلتزم لبنان به، فيما يقوم العدو الإسرائيلي بخرقه 1800 مرّة شهرياً من دون أن تتمّ إدانته من قبل المجتمع الدولي. وتقول بأنّ الإلتزام بالقرار الدولي، يُحتّم على الجانبين الإلتزام بوقف الأعمال العدائية بينهما، بما فيه أي تعدٍّ أو استيلاء على النقاط المتنازع عليها، كما على الأراضي المحتلّة من قبل القوّات الإسرائيلية. ولهذا، فإنّ روسيا ستُشجّع على إيجاد حلّ نهائي للخلافات الحدودية وترسيم الحدود البحرية والبريّة لما فيه مصلحة جميع الأطراف، كما مصلحة الشركات العالمية العاملة في المنطقة البحرية، والتي وضعت الخطط لبدء التنقيب عن النفط والغاز في البلوكين الملزّمين.
وذكّرت المصادر بأنّ المجلس الأعلى للدفاع قد أعطى توجيهاته للجيش اللبناني باستخدام القوّة مع العدو الإسرائيلي في حال تجرّأ واقترب من النقاط المتنازع عليها عند الخط الأزرق، لدى استكماله إنشاء الجدار الإسمنتي الفاصل، ولهذا تراجع هذا الأخير عمّا كان ينوي القيام به، بهدف الإستيلاء على بضعة كيلومترات من الأراضي اللبنانية لصالحه. وكذلك الأمر بالنسبة للمثلّث المتنازع عليه بين الجانبين في المنطقة الإقتصادية الخالصة، فإنّ لبنان لن يدع الشركات النفطية العاملة من العدو الإسرائيلي بالإقتراب منه لأنّه ملك للبنان الذي يسعى الى تسوية وضعه ليتمكّن هو بالتالي الإستفادة منه في الرقعة التي تلامس البلوكات 8 و9 و10.
وفي رأي المصادر، إنّ ما يهمّ لبنان أنّ تنعكس التوافقات السياسية الحاصلة على الأرض إيجاباً على وضعه الأمني على الحدود، كما في الداخل، وأن تُساهم في تعزيز المبادرة الروسية بشأن إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، وتأمين الأموال الكافية لإعادة إعمار سوريا، الأمر الذي يُسهّل كثيراً عودة النازحين السوريين الى المناطق الأصلية التي فرّوا منها منذ اندلاع المعارك السورية. وهذا ما سيحصل على ما أكّدت المصادر نفسها، متوقّعة أن تُظهر الأشهر المقبلة ارتياحاً دولياً فيما يتعلّق بالحفاظ على الأمن والإستقرار في المنطقة الجنوبية، واستبعاد حصول أي خطر أمني مستقبلي على لبنان حتى أواخر العام الحالي تزامناً مع بدء الشركات النفطية حفرياتها في المنطقة البحرية.