ربما يكون قرار إطلاق ميشال سماحة مجهّزاً ومتخذاً منذ مدة، لكن توقيته بالمعنى القضائي، (انسَ السياسي) يترافق مع أداء جبران باسيل في الجامعة العربية، وتسجيله سابقة خروج لبنان للمرة الأولى في تاريخه عن مسلّمة الاصطفاف مع الإجماع العربي، أيًّا يكن!
والأمران مطلوبان بحرارة ممانعة لا تخطئها عين، في سياق تظهير «صورة» للبنان تجعل منه شبه دولة مارقة، في شأنين كانا حتى اليوم، خارج انقساماته السياسية المألوفة، وخارج نزاعاته الحزبية والطائفية والمذهبية، وهما القضاء والديبلوماسية.
والتوقيت في الشكل متمم للمضمون. بمعنى أن محور الممانعة يريد القول، مرة أخيرة، أن لبنان في ظل احتدام النزاع العربي الإيراني، هو «دولة» خارج هويتها. ومحسوب على طهران وليس على العرب. وأن المطلوب هو حسم الالتباس المتأتي عن ظروفه السلطوية وعن غياب قرار مركزي رسمي شرعي واحد بحكم غياب رأس الدولة، لصالح وضوح ركونه في الملمّات الكبرى، الى جانب المحور الممانع الذي تعبر عنه، وتقوده بالأحرى، إيران.
وذلك في العرف الممانع يتمم الشأنين السياسي والعسكري. بحيث إن تعطيل المؤسسات الدستورية، وأولها موقع رئاسة الجمهورية، ليس سوى ترجمة لإرادة طهران وأتباعها المحليين. مثلما ان ازدواجية السلاح المتأتية من تغييب حصرية حمله وامتلاكه عن الأسلاك والقوى العسكرية والأمنية الشرعية، هو نتاج استراتيجية إيرانية بدأت في لبنان منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وتمظهرت لاحقاً في اليمن مع الحوثيين، وقبله في العراق مع التنظيمات المسلحة التي لم تترك حيزاً جغرافياً ملائماً بالمعنى المذهبي إلا وعبّأته بحضورها وممارساتها، في مقابل الاستمرار في تخريب محاولات بناء جيش عراقي فاعل مجدداً.
في الأقانيم المؤسِّسة للدولة اللبنانية (ولأي دولة) تأتي المؤسسات الدستورية التنفيذية والتشريعية في الصدارة. ومعها «أدواتها» وأولها القوى العسكرية والأمنية، والقضاء، ثم الشأن الديبلوماسي الذي يترجم السياسة الخارجية وينظم العلاقات مع الدول الأخرى القريبة والبعيدة.. ولا غلوّ في الافتراض، ان الممانعة الإيرانية المتمثلة محلياً بـ»حزب الله» تمكنت على مدى السنوات الماضية من الحفر عميقاً في البنيان المركزي لتلك الأقانيم الشرعية حتى خلخلتها تماماً.
وكان يمكن الافتراض أن الشأن الديبلوماسي بقي خارج تلك المعادلة التخريبية، لو لم يرتكب جبران باسيل موقف الامتناع عن التصويت في المجلس الوزاري العربي، الى جانب الموقف الجماعي من إيران واستفزازاتها وسياساتها.. وكان يمكن الافتراض أن الشأن القضائي لا يزال يعمل في ظل القوانين اللبنانية، وانه، حتى مع الكثير من الالتباسات المتأتية من التدخل السياسي وغير السياسي في شؤونه، كان يقدّم «دليلاً» على وجود دولة تُحترم فيها المعايير المحترمة في معظم دول العالم لو لم تُرتكب تلك الفضيحة المتمثلة بإخراج مدان بالتحضير لجرائم إرهابية فظيعة، ووفق أدلة دامغة لا تعوزها صورة ولا يعوزها صوت ولا يعوزها اعتراف!
في هذه المناحة، يريد المحور الايراني بقيادة «حزب الله» محلياً، القول للخارج العربي أولاً وأساساً، ان مساحة الالتباس في وضع لبنان صُودرت لمصلحة هذا المحور. وان قصّة «التفهّم» لظروفه وأوضاعه وانقساماته يجب أن تُنسى.. وان «الإرهاب» الذي يستحق العقاب لا تُلحظ فيه هويات أسدية أو إيرانية، فهذه اسمها «ممانعة» وميشال سماحة واحد من أعلامها!