IMLebanon

صودف مرور الجمهورية اللبنانية من أمام أمين عام الحزب

 

قبل اندلاع الحرب في العام 1975 بأشهر، مرت دورية للكفاح المسلح الفلسطيني، من أمام ثكنة للجيش اللبناني في صيدا وأطلقت النار عليها. ثار رئيس الجمهورية سليمان فرنجية والشيخ بيار الجميل والرئيس كميل شمعون، وهبت عاصفة سياسية مستنكرة، فطلب الرئيس فرنجية من كمال جنبلاط أن يحتوي الحادثة، وطلب جنبلاط من محسن ابراهيم، أن يكتب بيان اعتذار، فماذا كتب ابراهيم، المشهور بذكائه وطرافته؟ لقد حضّر مسودة بيان على سبيل الدعابة يقول فيه: بينما كانت دورية للكفاح المسلح تقوم بواجبها النضالي في صيدا، صودف مرور ثكنة للجيش اللبناني، فأطلقت عليها النار…

 

تصلح مسودة بيان محسن ابراهيم، لتطبق على مصادفات آنية، أكثر تأثيراً من مصادفات الكفاح المسلح الفلسطيني. هناك جمهورية لبنانية بأرضها وشعبها ومؤسساتها وحاضرها ومستقبلها، صودف مرورها من أمام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي يقود مشروعاً منذ ثلاثين سنة، لم يشعر بأنّ هناك دولة لبنانية موجودة على الخريطة.

 

لم تحصل تلك المصادفة بالأمس فقط، بل كانت منذ عشرات السنين فعلاً يومياً، لا يرى في لبنان إلا وجهة نظر في مشروع أشمل وأبعد، من هذا التواضع الذي يسميه أبناؤه: «وطن حر سيد ومستقل».

 

ما قاله الأمين العام لـ»حزب الله»، ينطلق من ثابتة واحدة: السلاح وجد ليبقى، والباقي هو مجرد أكسسوار لتجميل المشروع بواجهات سياسية، وبرؤساء جمهورية خريجي نوادي العضلات الرياضية، وبرؤساء حكومات يسيرون دائماً إلى جانب الحائط خوفاً أو تواطؤاً، وبرئيس مجلس محفوظة حصته في الدولة، ومحفوظة مكانته في المجلس، وبميليشيات مسلحة تحت عنوان سرايا المقاومة، تعيث في البلد ترهيباً، وتزرع نفوذاً لا يصرف إلا في تهديد الاستقرار.

 

لأجل هذه الواقع الذي يريده «حزب الله» تأبيداً لمشروع السلاح، يتعامل مع موقع الرئاسة، من زاوية الإتيان برئيس مخلص، ومضمون الولاء، تمر الجمهورية اللبنانية من أمام ناظريه لست سنوات، وهو جالس على الكرسي الفارغ من السلطة والهيبة والحضور.

 

لأجل هذا الواقع الذي يريد «حزب الله» تأبيده، يمسك «الحزب» بالقرار اللبناني، ويحوّل هياكل الدولة المتداعية، إلى أضحوكة، وإلى ساعي بريد، لا صلاحية له إلا تلقي الرسائل، وتمريرها إلى المرجع الصالح.

 

يمضي «حزب الله» بسياسة تفريغ الدولة، وقضم ما تبقى من صورتها، وسوف يستمر هذا الاحتجاز القسري، طالما استمر مشروع إيران في التوغل في المنطقة، لأنّ لبنان بالنسبة لهذا المشروع، هو جوهرة التاج، وهو غرفة التحكم التي تدار منها السياسات في العراق وسوريا واليمن، وستبقى الجمهورية اللبنانية مجرد مصادفة، برسم الإلغاء.