ثورة تاريخية، ثورة فريدة، وغيرها، توصيفات متعددة للثورة، لكن مشهدها لا يكتمل من دون الإعتراف بالدور الأساسي الذي تلعبه القنوات التلفزيونية سواء فضائياً او محلياً، متجاوزةً الكثير من المعوقات المادية والمعنوية، فهي حررت عقول الكثير من اللبنانيين من القبول بالواقع من جانبٍ واحد، وسط خياراتٍ متعددة يستطيع من خلالها التمييز بين ما هو حقيقي وبين ما هو مطلوب.<br> تصدرت الـ LBCI والـ MTV والـ NTV، حركة الشارع وواكبته في طريق “تحقيق المطالب” وعاشت معه أحلك اللحظات، منذ إنطلاق الشرارة الأولى للإنتفاضة اللبنانيّة يوم 17 الجاري، وإغلاق الطرقات الرئيسة في البلاد، حيث قطع الإعلام اللبناني شبكة برامجه المعتادة وفتح الهواء للتظاهرات وأصوات المتظاهرين لأكثر من 18 ساعة يومياً، في ظلّ غياب “تلفزيون لبنان” الحكومي وإنخراط قنوات أخرى في بروباغندا دفاعية عن بعض المواقع السياسية في وجه المتظاهرين.
طغت كلمة الشارع على تحليلات المحللين السياسيين والاقتصاديين وقراءاتهم خلال التغطية الإعلامية للاحتجاجات اللبنانية، التي شكلت ثورة على الطبقة الحاكمة تحت شعار “كلن يعني كلن”، فبعد إستقالة رئيس الحكومة الرئيس سعد الحريري والتي رحبت بها آراء الثوار على شاشات التلفزة، معتبرةً إياها باكورة جهودهم، تبقى إستقالتا رئيس الجمهورية والمجلس النيابي تنتظران على لائحة الثورة.
وقد لعبت القنوات التلفزيونية دوراً حيوياً في نقل صرخة المواطنين إلى أنحاء العالم، من خلال هاشتاغ “لبنان- ينتفض” الذي أصبح ماركة مسجلة لـ”الثورة” تسهل على المهتمين متابعة آخر تطورات الثورة، كما في التنبيه والتوعية بوجه محاولات القوى السياسية الرئيسية إحباط الثورة بوسائلها المتنوعة. على إحدى القنوات الرئيسية يسأل المراسل: “ليه ما بتعطوهن فرصة” ؟ الصبية: “لأنو من قبل ما إخلق والفرص بإيديهن وهلأ الفرصة بإيدنا ولن نتنازل عنها”، بالطبع هذا المراسل هو واحد من مجموعة كبيرة من مراسلي القنوات التلفزيونية الذين يصنعون الحدث، ويسجلون مواقف مباشرةً على الهواء.
يصنعون الحدث
ومن بين هؤلاء مثلاً حليمة طبيعة مراسلة قناة الجديد، التي دافعت عن أحد الشبان الذي اتهمته القوى الامنية بأنّه يحمل سكيناً، رافضةً توقيف البث المباشر، ورنين إدريس مراسلة قناة الـ MTV التي ردّت على أحد المتظاهرين بعد أن قال لها: “الرئيس بري تاج راسنا ” بالقول “تاج راسك إلك”، فيما فشل البعض في التواصل مع الثوار بدليل ما سمعته إحدى مراسلات الـ OTV من اثنين من الثوار عند سؤالها لماذا يقطعون الطريق:”ما خصك، ما دخلك”، وزميلتها جويل بو يونس عندما استفزت احدى الثائرات بقولها:”آه جبران هو من يتحمل مسؤولية 30 سنة فساد؟”.
ومن أبرز مراسلي قناة الـ LBCI في الثورة: ريمي درباس، هدى شديد، غريسيا انطون، ويزيك وهبي الذي غرد على تويتر متناغماً مع مطالب الثورة: “قرار جريء لرئيس الحكومة سعد الحريري… الإستقالة… حكومة اختصاصيين هي الأفضل لهذه المرحلة”. وقد أرخت الثورة بظلها على النشاط الإعلاني، فغابت الإعلانات لمصلحة النقل المباشر
وفي هذا السياق يُعلق الباحث في الشركة “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين:”حجم السوق الاعلانية 30 مليون دولار سنوياً، موزعة على كل القنوات اللبنانية، وبالتأكيد تراجع بسبب الاحتجاجات الشعبية، ما سبب خسارة لهذه القنوات، وأكثر ما كان لافتاً في تغطيات المراسلين الاعتداءات والمضايقات التي تعرض لها مراسلو الـ OTV والـ MTV في الاماكن غير المؤيدة لكلّ منهما”.
LBCI الأكثر موضوعية وحيادية
وبرأي شمس الدين فإن الموضوعية والحيادية أكثر ما تجلت في أداء الـ LBCI، فيما كان من الأفضل لتلفزيون لبنان أن يبقى بعيداً عن نقل ما يجري ( ولو جاء نقله متأخراً ومتواضعاً)، أو ينقل “نقلاً ” عن محطات مختلفة، فهو يفتقر الى القدرات اللوجستية للتغطية الاعلامية التي ترتكز على 6 أو 8 Windows، مضيفاً أن جمهور الـ OTV والـ NBN والمنار هو جمهور حزبي مع بعض المحايدين، بخلاف جمهور محطات الـLBCI والـ MTV و NTV، لافتاً إلى أنّ هناك قسماً من المشاهدين يُتابع الاحتجاجات عبر قنوات فضائية عربية كـ”العربية” و”الحدث” و”الجزيرة” و”الحرة”… قنوات لديها بث مباشر أيضاً.
ويؤكد شمس الدين أن هذا البث لدى قنوات الـ MTV والـ LBCI والــ NTV كان يمتد من السابعة صباحاَ – من اليوم الثاني للإحتجاجات- وحتى 12 ليلاً، وفي اليوم التاسع من الاحتجاجات لاحظنا (بثاً مباشراً + برامج سياسية)، وقد تراجع البث المباشر لدى هذه القنوات، لأنّها لم تعد تقدم جديداً للناس، كاشفاً عن تراجع أكبر في نسبة المتابعة، لأنّ الحدث وصَل الى الـ Maximum ولم تعد التغطيات كما في الايام الاولى للإحتجاجات، معتبراً أن الاعلام كان شريكاً اساسياً في تفجير هذه الاحتجاجات الأولى من نوعها في لبنان، مع مُلاحظات على بعض التغطيات التي كانت مسيّسة.
اللعب على مقياس مستجدات الشارع
بدورها تُشدد الدكتورة مي عبد الله رئيسة الرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال على أن محطات التلفزة في حالة البث المباشر، هي أولى ضحايا هذه الأزمة الكبيرة، شارحةً: “الاعلام اللبناني مربك وخطير دائماً خلال الازمات، وترتفع نسبة أخطائه في حال لم يكن معتاداً على التعامل مع الازمات، وهو ليس لديه الوقت لفهم ما يجري من حوله، الامر يحتاج إلى الخبرة والمهنية العالية”.
وإذ ترى أن الخبر يصبح حاضراً بقوة، وحاجة الناس اليه ملحة، وهو أمر يؤدي إلى إنتشار الشائعات والاكاذيب بسرعة، تذكّر الاعلاميين بأن المهنية تقتضي التأكد من المصادر وعدم ترويج الشائعات، مبديةً أسفها لغياب الدور التوعوي للقنوات المحلية، والذي تلعبه اليوم الساحات العامة الجديدة، وهي من أهم النتائج الإيجابية لهذه الانتفاضة الشعبية، متحدثةً عن إنقسام هذه القنوات بين مؤيد للثورة ومعارض لها، لا بل أكثر يبدو أن أداءها يلعب على”مقياس مستجدات الشارع” بين “طلعات ونزلات” وبالتالي غير مستقر، وفق تعبيرها.
وبرؤية المراقب تشير إلى أن المحطات حاولت إخفاءَ أجندتها السياسية، لكنّها كانت تظهر من وقتٍ لآخر، ومن المحطات التي لم تُخفِ مواقفها الـ otv التي فقدت دورها الاعلامي، فحيال هذه “الثورة الفريدة”، قنواتنا مسؤولةٌ عن نقل كل الآراء وطبعاً هموم الشعب الذي هو مصدر السلطات، لتختم: “المراسلون محتارون بين الالتزام بسياسة قناتهم التحريرية، وبين مواقفهم الشخصية، فضلا عن تأثرهم بطبيعة المنطقة التي يتواجدون فيها، وهنا نتذكر تعليق أحد مراسلي قناة الجديد على كلام أحد الشبان ممن قطعوا طريق جسر الرينغ على الهواء بقوله:”هذا ليس موقفنا ولكننا مضطرون لنقله”.