هل يعلن الرئيس سعد الحريري تشكيل «حكومة لبنان الحرة» من الرياض بعدما أعلن استقالة حكومته من الرياض؟
في الغرف المقفلة أحاديث عن «خطوات صاعقة» ستتخذها المملكة في الأيام المقبلة. بعد اسقاط رئيس الحكومة (والحكومة)، اسقاط رئاسة الجمهورية (والجمهورية).
الاعلان الملكي بأن الحكومة اللبنانية «حكومة اعلان حرب» يعني، تلقائياً، أنه ستتم مواجهة هذه الحكومة، مع أن استقالة رئيسها (حتى ولو كان ذلك رغماً عنه) تستتبع، دستورياً، استقالتها حكماً، بحرب مضادة قد تبدأ بتشكيل حكومة منفى غايتها تحرير البلاد من «الاحتلال الايراني».
هذه هي المعادلة السعودية حيال لبنان. «مثلما هو الأقوى بحزب الله هو الأضعف بحزب الله»، ان على خلفية التصدع الداخلي، وقد أخذ منحى دراماتيكياً في الآونة الأخيرة بعد عودة «الغربان بالياقات البيضاء» أو بفعل الهشاشة المالية والاقتصادية.
مثلما استخدمت ايران الورقة اليمنية، بحساسيتها الجغرافية والتاريخية بالنسبة الى المملكة، للضغط عليها في سوريا، تستخدم السعودية الورقة اللبنانية، بقابليتها للانفجار ووضع «حزب الله» أمام خيارات خطيرة، للضغط على ايران في اليمن.
الغيوم السوداء تتكدس. لماذا لم ترد الرياض على الصاروخ الباليستي الذي استهدفها، وقد يستهدف صاروخ آخر قصر اليمامة، بصاروخ على طهران، ما دامت تعتبر أن الصاروخ ايراني بالكامل؟
السؤال الذي يتردد على أكثر من صعيد : أين هي ايران من التهديدات السعودية لـ«حزب الله»، وبالتالي للبنان؟ وهل حقاً انها تكتفي بالمواقف الصارخة التي لا تأثير لها البتة على المسار الخطير للأزمة؟
الهدوء الذي اظهره السيد حسن نصرالله مثلما صدم البلاط السعودي الذي كان يتوقع لهجة مدوية تدفع الداخل اللبناني، أكثر فأكثر، نحو نقطة الانفجار، صدم الببغاءات التي سارعت الشاشات الى انتشالها من التعفن في الظل وكان لها أن تمضي بعيداً في التأجيج السياسي والمذهبي.
السعوديون اختاروا مواجهة الايرانيين في لبنان بالحرب الشعواء ضد «حزب الله». المشكلة أن العقل السعودي (الحاكم) الذي يرفع شعار التحديث والخروج من القوقعة، يفكر، استراتيجياً، بلغة القرن الثامن عشر.
لا أحد ينفي أن الايرانيين اخترقوا المنطقة لتوسيع نفوذهم، ودائماً بسبب الخواء العربي. ولكن أي جدوى، على المستويات كافة، يمكن أن تجنيها السعودية من تفجير لبنان؟ وهل من مصلحة ولي العهد التعاون أو التقاطع مع اسرائيل، وبعدما كان الوزير السابق افرام سنيه قد هدد بتحويل لبنان الى «أرض قفراء لن تبقى فيها حتى الكلاب»؟
معهد استوكهولم للدراسات الاستراتيجية أجرى مقارنة بين ترسانة الاسلحة لدى المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية. الفارق هائل كماً ونوعاً. لماذا لا تذهب الرياض الى من تعتبرها «رأس الأفعى»، ولا تعرض عضلاتها، عبر ذلك السبهان، على لبنان بامكاناته المحدودة وبمشكلاته البنيوية التي لا حدود لها.
استطراداً، ما الذي جعل «حزب الله» يظهر الى الوجود عام 1983، أي غداة وصول آرييل شارون، بعنجهيته التوراتية، الى باحة القصر الجمهوري في بعبدا؟ أين كان العرب آنذاك، وهم من دفعوا في اتجاه اتفاق القاهرة (1969) الذي اقتطع جزءاً من لبنان الى ياسر عرفات قبل أن يغدو حاكماً لكل لبنان.
«حزب الله» ليس خارج السياق المنطقي للأشياء. فعل ما فعلته الفيتكونغ لاجتثاث الاحتلال الأميركي بأي ثمن. المستحيل أن يتحول لبنان الى حالة ايرانية أو أي حالة اقليمية اخرى لأن ذلك يعني اندثاره. قد تفرض اللعبة الجيوسياسية المعقدة في المنطقة ولطالما تحدثنا عن التقاطع بين لعبة الأمم ولعبة القبائل، شكلاً ما، وملتبساً، للصراع. لكن الحزب الذي دحر اسرائيل، وتتوعده على مدار الساعة، مع التخلخل التاريخي للدولة اللبنانية، لا يمكن أن يواجهها بسكاكين المطبخ أو بالقبعات الزرق.
لا تفجروا لبنان. الأوروبيون واجفون، ويدركون ان أهل البلاط في ذروة التوتر، وقد صادروا رئيس حكومة لبنان بما للكلمة من معنى، وهو الوجه الآخر للاغتيال السياسي.
ثمة قناعة فرنسية بأن الاستقالة، بكل حلقات السيناريو، انما كانت قراراً سعودياً ولأغراض سعودية، ما يهدد بانفجار الجمهورية. الاليزيه ينصح، وراء الستار، بعدم الرهان على شخصية دونالد ترامب.
ليس لبنان وحده على حافة الهاوية.الشرق الأوسط برمّته. لا أحد يستجيب لصيحات الاستغاثة. الايقاع الهستيري ان للامبراطور أو لشيخ القبيلة في ذروته!