«داعش» يهجّر بالسكين.. والغرب بـ«الفيزا»!
لبنان «ملاذ آمن» للمسيحيين في الشرق.. حتى اليوم
مسيحيو الشرق في مرحلة ذوبان.. ووجودهم مهدد بالانقراض.
تلك خلاصة انتهت اليها شخصيات مسيحية في معرض تقييمها لما آلت اليه حال المسيحيين في المنطقة منذ ما سمي الربيع العربي، وضمّنتها تقريرا رفعته الى مراجع سياسية وكنسية تحت عنوان «صرخة»، تلقي من خلالها نظرة سوداوية على حال المسيحيين وتقرنها بالسؤال: هل إنقاذ مسيحيي الشرق ما زال ممكنا.. وكيف يمكن وقف النزف المسيحي؟
يسلط التقرير الضوء على محطات اساسية لهذا النزف، أبرزها:
ــ فلسطين المحتلة صار فيها الوجود المسيحي لا يتعدى بضع عشرات لا حول لهم ولا قوة ولا حضور.
ــ سوريا، التي كانوا يعيشون فيها باطمئنان وأمان، هم مهددون بمصيرهم ووجودهم وتاريخهم، في ظل صراع مذهبي وكذلك تركي ــ سعودي ــ ايراني ــ قطري ــ روسي ــ اميركي، وايضا بسيف «داعش» المصلت على رقابهم كما على رقاب سائر الاقليات.
ــ مصر، لم يعط للمسيحيين، على مرّ التاريخ من ايام الملك فاروق إلى عبد الفتاح السيسي، أي قيمة لحضورهم، ونادرا ما كانوا يمثلون في الحكم كما يجب. وها هم الاقباط الذين يقارب عددهم عشرة ملايين نسمة يعدون كأنهم غير موجودين. تمثيلهم في الدولة او في مجلس الشعب يكاد يكون رمزيا ان لم يكن منعدما، فضلا عن المضايقات التي يتعرضون لها.
ــ العراق، وهنا الطامة الكبرى، تعرض المسيحيون فيه وتحت انظار العالم كله لعملية ابادة. هجر سهل نينوى، وأكثر من مئتي الف مسيحي مهجرون في العراق. ليس هناك من يحميهم لا من الدولة العراقية في ظل الفساد الرهيب في مفاصلها، وفي ظل نظرة الحكم العراقي بعين واحدة. يتكلم رئيس الحكومة العراقية عن تخصيص 25 مليار دينار لتسليح العشائر الا انه لا يسلح المسيحيين، كما لم يقم بأي عمل تجاه المسيحيين كي لا يُتركوا ويهاجروا. فلا وجودهم في الدولة موجود كما يجب، ولا وجودهم في الادارة، ولا الاكراد بدورهم احتضنوا المسيحيين بل عاملوهم كأجانب. حتى ان السؤال الاساسي الذي يؤرق المسيحيين حاليا، هو كيفية الاستمرار في اماكن التهجير، وايضا كيفية العودة الى سهل نينوى فيما لو تم تحريره من «داعش»، فكيف سيعودون؟ هل باعتماد النموذج اللبناني لعودة المهجرين؟ وإن عادوا فماذا يضمن لهم ألا يتكرر تهجيرهم؟
ــ لبنان، لا يزال الملاذ الآمن للمسيحيين، لكن حتى إشعار آخر، خاصة ان الخشية تتزايد يوما بعد يوم من ان ينتقل المسيحيون في لبنان من كونهم مكونا اساسيا من مكونات المجتمع اللبناني الى مجرّد ديكور وتكملة عدد، ولذلك اسبابه ومنها:
اولا، ان هناك فعلا من القوى السياسية اللبنانية من يدفع في هذا الاتجاه، وجعل المسيحيين في لبنان مثل الكلدان في العراق لا ناقة لهم ولا جمل.
ثانياً، ان هناك من القوى السياسية اللبنانية من يغدق على المسيحيين الكلام المعسول، وهو في قرارة نفسه لا يريدهم الا جسرا لعبوره الى السلطة، ومجرد ارقام تمنحه الاكثرية في الحكومة ومجلس النواب.
ثالثاً، الشعور المسيحي العام على ضفتي «8 و14 آذار» بخروجهم فعلا من دائرة القرار.
رابعاً، الانقسام المسيحي الحاد، والاصطفاف خلف هذا الفريق المسلم او ذاك، وكلا الفريقين المسيحيين يقول بتغيير الواقع السياسي بعضلات حليفه المسلم. وفي النهاية ثمة عجز واضح بين فريق يزايد، وفريق يسلّم بالأمر الواقع ومتسلح بمقولة لأحد كبار المسؤولين وحرفيتها: «الزمن ليس زمن حقوق المسيحيين. فلا تتعبوا انفسكم، فلن يعيدوا إليكم زمنكم، ولن يعطوكم لا الشراكة الحقيقية ولا المناصفة الفعلية. فدعونا ننحنِ امام العاصفة، فإن استطعتم توحَّدوا وان صعب عليكم ذلك ابقوا في اماكنكم وحتى على اصطفافاتكم وحافظوا على ما بقي لديكم».
خامساً، استرخاء القيادة الروحية والاكتفاء بتعابير لفظية لا تسمن ولا تغني، وعدم إقدامها بشكل فاعل وصارم على ما يمكن ان يعيد الرعية المسيحية الى موقعها كمكون اساسي ووطني وسياسي لا بد منه، ولا دولة من دونه.
أما خلاصة التقرير، فتنتهي الى أمرين:
الاول هو تذكير القيادات المسيحية السياسية والروحية بأن لبنان آخر حصن وحضن للمسيحيين، وانهم شركاء فيه لا اجراء.
الثاني، نظرة تشاؤمية الى الآتي من الأيام، فلا توجد ارادة غربية لحماية المسيحيين، فالاميركيون يعيدون رسم خريطة المنطقة ويخشى ان تكون من دون مسيحيين، والكرسي الرسولي لا يملك استراتيجيا جدية لحماية المسيحيين في الشرق، والغرب إما هو عاجز عن التغيير وتجنيب المسيحيين ما يتعرضون له من اخطار، وإما هو متآمر متواطئ. والافتراض الثاني هو الاقرب الى الواقع، خاصة ان هذا الغرب يكمل ما بدأه «داعش»، فهذا التنظيم اعتمد السكين لتهجير المسيحيين، والغرب يعتمد «الفيزا».