من مقام تربوي وكعادته كل عام، أطل نائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم قبل يومين في حفل تكريم الأوائل في الشهادات الرسمية من المنتسبين الى مدارس المصطفى، ولأن المناسبة تتصل بالتربية والتعليم، كان لا بد للشيخ نعيم الذي بدأ حياته كأستاذ ثانوي ودرّس الكيمياء لست سنوات، واستمر في الاشراف على سلسلة مدارس المصطفى التي أسسها في العام 1984، ان يقول كلاماً يتصل بالعلم والمعرفة وقيم المواطنية وفي شرح المفاهيم التي يجب أن تقدم للناشئة من الطلاب في هذه المؤسسة. ويشكل موقعه الحزبي الذي يشغله منذ العام 1991 كنائب للأمين العام في “حزب الله”، عنصراً حيوياً في اطلالته في هذه المناسبة السنوية، فـ “الشيخ نعيم” المعني بعدم الفصل بين السياسي والديني والتربوي والمقاوم، كان لا بد له أن يستحضر في خطابه مناسبة حرب تموز 2006 أو كما يسميها “نصر تموز”، فاعتبرها “محطة انتصار ليست كالمحطات الأخرى، لأن نصر تموز احدث تغييراً جذرياً في المنطقة ونقلها من حالة التدهور والإحباط إلى حالة المقاومة والحضور والتحرير والحرية”، طبعاً ليست مآسي المنطقة مرتبطة بهذه الحرب، التي تبقى مآسيها اللبنانية مستمرة، من دون أن نقلل من مظاهر بطولية عسكرية وانسانية، طالما استثمرت لبنانياً في سياقات التغيير لمصلحة الاستبداد، واللااستقلال أو التبعية ولمزيد من تدهور الدولة ومؤسساتها.
لا نعرف اذا كان “الشيخ نعيم” حين استخدم مصطلح “المنطقة” قصد “المنطقة العربية” أو “المنطقة الإسلامية”، لعل مصطلح “دول غرب أسيا” هو المقصود، (بناء على تعريف المرشد السيد علي خامنئي الجديد للمنطقة كما قال السيد حسن نصرالله في اطلالتيه الأخيرتين) واذا كان هذا هو المقصود بـ”المنطقة” وهو كذلك، فان الواقع يكشف أن التدهور والانهيارات والتشظي الاجتماعي والمذهبي والتبعية والاستبداد، هي الظواهر التي زادت وترسخت في المنطقة العربية، ولا ندري ان كان المقصود بدول غرب آسيا، محاولة انهاء ما تبقى من النظام الإقليمي العربي، لمصلحة تغطية وتشريع التمدد الإقليمي والنفوذ للمثلث الإسرائيلي – التركي – الإيراني.
عندما قال الشعب السوري بملايينه نعم للحرية في الدولة السورية، لم يكن صدى هذا الصوت الاّ التشكيك من حامل لواء “المقاومة” و”الحرية” و”نصر تموز”. حقّ الشعب السوري بالحرية وحقّه في الخلاص من نظام الاستبداد لم يكونا حقين مرحباً بهما، كما كان الترحيب بما جرى في مصر وتونس وليبيا، والتي سماها المرشد السيد خامنئي في حينه “الصحوة الإسلامية”، كان الجواب كالعادة تجاه أي تعبير حر، هي المؤامرة، وبعد اسقاط المؤامرة في سوريا ما هي حصيلة الانتصار اليوم… بالتأكيد لا الاستقلال ولا الحرية ولا التحرر ولا المقاومة…
يضيف الشيخ قاسم في كلمته الى الطلاب “إسرائيل ليست قدراً ولبنان الضعيف ولّى إلى غير رجعة، ونحن في مرحلة لبنان القوي المستقل..” القول إن إسرائيل ليست قدراً ليس جديداً ولا يغني عن واقع تمدد إسرائيل ونفوذها تحديداً منذ حرب تموز الى اليوم وفي المنطقة حتى المسماة دول غرب آسيا، أما القول أنّ “لبنان قوي”، فلا ندري عن ايّ واقع يتحدث الشيخ قاسم، قوة الدولة أم قوة الدويلة؟ كلاهما في وضع لا يحسدان عليه، لكن ما يعنينا الدولة اللبنانية التي باتت أشلاء في زمن “الانتصارات” في الاقتصاد والإدارة العامة، دولة لا تستطيع ماليتها أن تصمد في وجه مجرد اجراء مالي عقابي يصدر من واشنطن، أو “الشيطان الأكبر”.
يضيف الشيخ نعيم: “لن نردَّ على الأصوات التي تدعو لبنان إلى الضعف كي يكون مقبولا في سوق النخاسة، وإننا سنحافظ على لبنان القوي ليكون مرفوع الرأس، يأتيه الآخرون ولا يذهب إليهم ويحترمه الآخرون ولا يتحكمون به، ويعترفون باستقلاله ولا يكون تابعا”. هذا اللبنان الذي يصفه الشيخ قاسم، بالتأكيد ليس دولة لبنان التي نحيا فيها، ولا بأس أن يكون هذا الخطاب في سياق الطموح، لكن قلب المفاهيم أمام الناشئة وبيع الأوهام لم يعد يجدي، فما يعيشه اللبنانيون اليوم، هو، أنهم هم في سوق تديره هذه السلطة القائمة وسلطة فعلية مستعدة أن تشعل حرباً في سبيل تحسين شروط تفاوض طهران مع واشنطن، و”سلطة وصاية” في صلب عقيدتها وسياستها أن “حفظ الجمهورية الإسلامية في ايران، هو واجب مقدم على حفظ لبنان، فيما لو تعارضت مصالح الدولتين”.
الانهيار الذي يحذر منه الجميع، ليس انهياراً اقتصادياً أو مالياً، أو كما يحب البعض ان يحيل الخيبات وأسباب الفشل الى “مؤامرة صهيونية” هو انهيار سياسي بالدرجة الأولى، جذره الأساس في مسيرة اضعاف الدولة وسيادة القانون فيها، والتي باتت في كل مقوماتها الدستورية والقانونية وبعد كل “الانتصارات” على امتداد “غرب آسيا” ويا للمفارقة “أوهن من بيت العنكبوت”.