IMLebanon

لبنان إذ يصبح «دولة مارقة»… أو حتى إرهابية!

لا يفيد الكم الهائل من الفضائح/الكوارث الذي شهده لبنان في الأيام الأخيرة، سوى أنه يضعه على لائحة الدول الفاشلة وفق التعريف المتفق عليه عالمياً، وحتى المارقة ما دام عاجزاً بل غير راغب في معالجتها أو وضع حد لها. ولا يحتاج اللبنانيون، ولا إخوانهم العرب أو أصدقاؤهم في العالم، الى كبير عناء لاكتشاف أن خطف الدولة وتفريغها لسنوات طويلة هما السبب، وأن «قوى الأمر الواقع» في لبنان («حزب الله» وحلفاءه وأتباعه) هي المسؤولة أكثر من غيرها عن ذلك سابقاً وفي هذه المرحلة في شكل خاص.

فمن النهب المنظم لتعويضات قوى الأمن الداخلي من قبل أكثر من مئة من ضباطها وجنودها، الى شبكة الانترنت غير الشرعي واستخدامها في مؤسسات رسمية بينها وزارة الدفاع ومجلس النواب، الى فضيحة الاتجار بالفتيات السوريات، الى اغراق البلد بالنفايات والغذاء الفاسد، الى عدم انتخاب رئيس للجمهورية طيلة نحو عامين وما استتبعه من تعطيل للحكومة ومجلس النواب، الى إبقاء وزارة العدل شاغرة لعدم القدرة على قبول استقالة الوزير وتعيين بديل عنه (نتيجة الفراغ في الرئاسة، وابتداع نظرية الاجماع في مجلس الوزراء الذي يقوم بمهماتها)، الى الإساءة المفتعلة من وزير الخارجية للعلاقات مع دول الخليج وردودها عليها، ثم للأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام بان كي مون والمساعدات التي زار لبنان من أجلها، الى القيود الدولية والأميركية على حركة الأموال فيه لسدّ منابع التمويل لـ «حزب الله» والتنظيمات الإرهابية الخ… لا يبدو لبنان في صورة بلد مستقل، أو دولة من دول العالم، من دون أن تلصق به صفة الفشل أو حتى المروق.

والأهم أنه اذا أضيف الى ما سبق، اعلان مؤسستين اقليميتين (جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي) «حزب الله» منظمة إرهابية، بما يعنيه ذلك عربياً ولبنانياً، لأمكن توجيه الاتهام للبنان بأنه واحد من اثنين: إما دولة إرهابية أو أقله دولة داعمة للارهاب.

الحال أنه لم يكن لبنان في أحسن حال، كما لا بد من الاعتراف، قبل هيمنة «قوى الأمر الواقع» عليه بالقوة من ناحية، وبتمسك الفرقاء الآخرين باستقراره ولو النسبي من ناحية ثانية، إلا أن اندفاع «حزب الله» وحليفه المسيحي («التيار الوطني الحر») لتجميد حركته بصورة كاملة بإزاء انتخاب العماد ميشال عون رئيساً أو منع الانتخاب، أدى به الى ما هو عليه الآن. ليس ذلك فقط، بل إن إنشاء الحزب في الوقت ذاته «دولة» كاملة، سياسياً وأمنياً ومالياً واقتصادياً/اجتماعياً، في المناطق التي يسيطر عليها بالقوة وبالانتماء الطائفي والمذهبي، جعل منه «دولة» مستقلة في الضاحية وبعض الجنوب وبعض البقاع، و «نصف دولة» معطِّلاً للدولة المفترضة على مستوى المناطق الأخرى… أي «دولة ونصف»، كما يقول المثل الشعبي اللبناني.

نتيجة لذلك، لم تتأثر إلا قليلاً الدورة الاقتصادية والمالية في «دولة» الحزب ولدى رعاياها، كما الأمن والسياسة ودرجة الهيمنة فيها، على رغم الضغوط الكبيرة التي تعرضت، وتتعرض لها للآن، «دولة» لبنان الأخرى ورعاياها على هذا الصعيد، ان في الداخل أو على مستوى العلاقات مع الخارج.

ولعله من هنا تحديداً، جاء قرار الحزب (فضلاً عن أمر «الولي الفقيه» الايراني) إرسال ميليشياه للقتال في سورية، ومخابراته وخبراءه للقتال في اليمن والتخريب في دول الخليج، من دون أي اعتناء أو حتى اهتمام بكل الأصوات التي ارتفعت في الداخل اللبناني ضد هذه الممارسات.

فلبنان، بالنسبة الى «حزب الله»، غير موجود الا عندما يكون مدعواً للدفاع عنه أو إنقاذه من ورطة دخل فيها. حينها، لا يهم الحزب إن فقد لبنان البقية الباقية من كونه دولة معترفاً بها، ولا اتهامه من العالم بالتحول الى «دولة إرهابية» أو مصدّرة للارهاب أو راعية له، مع ما في ذلك من تأثيرات سلبية عليه عربياً وإقليمياً ودولياً.

وهكذا يقف لبنان الرسمي، لجهة اتهام الحزب بأنه منظمة إرهابية، أمام ثلاث معضلات في وقت واحد: فهو لا يستطيع التنكر لقرارات عربية وإسلامية ودولية (الولايات المتحدة وبعض أوروبا)، لكن لا يمكنه في الوقت ذاته احترامها والتزام موجباتها لأن الحزب شريك في حكومته ومجلس نوابه، كما لا يملك كذلك ما يرد به التهمة الأخلاقية والقانونية عن نفسه بأنه مصدر جغرافي للإرهاب، أو راعٍ رسمي له، أو حتى متستر عليه، أو أنه في واقعه دولة إرهابية لهذه الأسباب كلها.

أبعد من ذلك، عندما يقف الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ليهدد إسرائيل بما قال انه أشبه بـ «انفجار نووي» نتيجة قصفه بعشرات آلاف الصواريخ خزانات الأمونيا في حيفا، ولو أنه ربطه بالرد على عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان، يكون يحمّل الدولة فيه عبء امتلاكها (أو أقله التواجد على أرضها) ما يمكن وصفه بأسلحة دمار شامل. ولا حاجة للقول ان تلك مسؤولية لا يملك لبنان، فضلاً عن أنه لا يريد حكماً، أن يتحملها لسبب بسيط: أولاً، لعدم امتلاكها، وثانياً لأن الدول التي تمتلك مثلها دائماً ما تنكر ذلك أو تخفيه عن أنظار العالم.

فهل يفاجئ أحداً من اللبنانيين، ومن العرب أو في العالم، أن يضرب لبنانَ مثلُ هذا الاهتراء في بنية دولته، كما في مكوناته المجتمعية، حتى لا نتحدث عن مؤسساته الرسمية وأجهزته الإدارية والقضائية والأمنية وطبقته السياسية؟

مسؤولية اللبنانيين كبيرة من دون شك، لكن محاسبتهم وحدهم واغفال أدوار غيرهم… منذ «دولة» منظمة التحرير الفلسطينية (ومعها الفصائل السورية والعراقية والليبية) في الستينات والسبعينات، ثم فترة الوصاية السورية حتى 2005، وصولاً الى الفترة الإيرانية المستمرة حتى الآن، يشكلان ظلماً كبيراً له من ناحية، وتبرئة مجانية للآخرين من ناحية ثانية.

لكن المحصلة في النهاية أن لبنان كان ولا يزال هو الضحية.