الاقتصاد، أي اقتصاد لا يحقق أهدافه إذا لم يوجد بين المسؤولين من يعيره اهتماماً ويتابع نموه وتطوره يوماً بعد يوم، داخلياً وخارجياً ويشارك في تسليم أمره الى اخصائيين في علم المال والاقتصاد.
لبنان اليوم في أزمة اقتصادية يتطلب لقاء خبراء ورجال أعمال مجتمعين ليضعوا اليد عليه في محاولة لإخراجه منها.
لقد ذهبت الفترة الذهبية التي كان ينعم بها لبنان في الخمسينات بسبب ارتفاع المداخيل النفطية لإيران والعراق ودول الخليج التي كان البعض منها يرده للاستثمار في مجالاته وبخاصة في المجال العقاري. ويذكر من عاش تلك الفترة كيف ان العملة اللبنانية كانت تقوى باستمرار إلى ان وصلت إلى ليرتين وخمسة عشر قرشاً مقابل الدولار الأميركي الواحد، الأمر الذي دفع المصرف المركزي إلى اتخاذ إجراءات من شأنها إضعاف قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار وسائر العملات الأجنبية. من تلك الإجراءات قرض لدولة الهند وقرض آخر للشركة الفرنسية الكبرى «رينو» (Renault) صانعة السيّارات الحاملة لهذه «الماركة» لم اعد اذكر مقدارهما.
حين اذكر تلك الحقبة في الستينات وبعض السبعينات وأقارن بينهما وبين ما وصل إليه اقتصادنا اليوم وما سجله الميزان التجاري من عجز في السنوات الأخيرة كانت سمته، يتملكني القلق وبعض الخوف من ان يصيبنا ما أصاب اليونان من أزمة اقتصادية هرعت دول الاتحاد الأوروبي لانقاذه منها. كيف لا اخاف والصحف اللبنانية تحمل إلينا يومياً أخباراً مزعجة ومقلقة عن وضعنا العام ولا سيما الاقتصادي منه. كيف لا اخاف والرئيس العماد ميشال عون يخبرنا ان الدولة مهددة بالإفلاس. وقد نشرت جريدة النهار بعددها تاريخ 22/6/2018 وصفاً لما وصل إليه الحال قالت عنه الآتي:
1- أن الأمور في غاية الدقة والمؤسسات تقفل أبوابها.
2- أن الوضع الاقتصادي على الحضيض.
3- أن البطالة عند الشباب قد سجلت رقماً مخيفاً فاق نسبة الـ35 بالمئة كما كشفه الخبير الاقتصادي البروفسور عجاقة، الذي يقول: «ان ثلاثين ألف متخرج سنوياً لا يعمل منهم الا ثلاثة آلاف فقط، أي عشرة بالمئة في مجال اختصاصهم، معتبراً ذلك انه مؤشر خطير لكونها تطاول هيكلية الاقتصاد اللبناني، ما يعني ان هذه الهيكلية لم تعد تسمح باستيعاب المتخرجين.
4- وأن افواج اللبنانيين العاملين في الخليج بدأت تعود منه نظراً لغياب فرص العمل فيه، فأوضاع الدول الخليجية لم تعد كما كانت عليه في الماضي.
ومع إقرارنا بصحة ما ينشر ويتردد هنا وهناك، نتساءل ماذا فعلت دولتنا لمعالجة هذا الوضع؟ ولا اظن ان أحداً من المسؤولين في الحكم يعرف ان الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد حالياً سيلحق الكثير منهم زملاءهم بالأمس وما قبله ممن لم يجد فرص عمل بعد. ثم ماذا فعلت وزارة الشؤون الاجتماعية لمعالجة هذا الوضع المتأزم؟ ألا تستحق المسألة ان يُدعى مجلس الوزراء لجلسة خاصة يدعو إليها للمناقشة الخبراء الاقتصاديين والماليين، كما سبق وفعلت حكومة الرئيس عمر كرامي حين هبط سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي الواحد إلى 2800 ل.ل. اضطرت على اثره الحكومة للاستقالة.
أنا أدعو الحكومة الجديدة التي سوف ترى النور قريباً ان تباشر إلى تعيين جلسة خاصة لمجلس الوزراء لدرس الوضع المالي العام في محاولة لإيجاد الحلول المناسبة للخروج منه أو على الأقل للتقليل من تداعياته السلبية. وقد يكون من المستحسن دعوة المجلس النيابي أيضاً لجلسة مخصصة لمناقشة الوضع الاقتصادي والمالي العام في محاولة لإقرار معالجات تقلل من آثاره السلبية يحضره جمع من الاقتصاديين والماليين.
إن في الحركة بركة.
* نائب ووزير سابق.