IMLebanon

ربيع لبنان آتٍ؟

 

اعتمد لبنان النظام الاقتصاد الحر منذ نشأته ونجح في تحقيق نتائج مدهشة حتى سنة 1975.  الاقتصاد الحر هو المنافسة والانتاجية، ولا يعني كما فهمه البعض اقتصاد الهدر والسرقة والابتزاز وغياب الضمير. أنشأ «أدام سميث» النظام الحر مبنيا على الأخلاق في العمل والانتاج والاستهلاك.  نخجل في لبنان اليوم في ظل أزمتنا الحالية أن نرى لبنانيين يسرقون الدواء والخبز والمحروقات لبيعها أو تهريبها في وقت يعاني خلاله اللبنانيون من كل شيء أهمها غياب الثقة وضعف الأمل وتعمق الفقر.  هذا التصرف الاجرامي يشوه ما تبقى من صورة لبنان الفاضلة.

 

تطول الأزمة اللبنانية لأسباب متعددة، علما أن القدرة الداخلية على ايجاد وتنفيذ الحلول كبيرة.  لماذا لا يتحمل المسؤولون الحاليون تنفيذ المهمة أي القيام بواجباتهم الدستورية والعملية؟ ذكرى ثورة 17 تشرين كانت مهمة، لكنها دلت على وجود نقص كبير في القيادة النوعية.  17 تشرين ليست مناسبة اجتماعية أو احتفالا، بل فرصة لتجديد الغضب تجاه الواقع السيء ومن يمثله.  مظهر الغضب مهم جدا ونراه في مظاهرات دول أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وغيرها.  المظهر أحيانا أهم من الشعور الحقيقي، لأنه يشكل رسالة لمن يسمع ويشاهد.  ربما اللبنانيون لم يصلوا بعد الى الدرجة التي يصبح معها مظهر الغضب طبيعي بل عفوي، وهذا ان كان صحيحا فهو خطر اذ يعني أننا مستعدون لأن نفقر ونتعذب أكثر قبل أن ننتفض بجدية وحدية.

 

عدنا في لبنان اليوم «نقديا» عقودا الى الوراء أي الى «الكاش». المجتمعات التي تتميز بضعف الثقة فيما بينها تستعمل العملات النقدية أكثر بكثير من البطاقات والتحويلات والشيكات. هذا يميزنا للأسف في لبنان اليوم حيث الثقة ضعيفة كيفما نظرنا ضمن المجتمع. ربما السبب الأساسي هو القلق الذي يضعف في مجتمعنا التجمع أو التكتل للمواجهة، بينما يحصل العكس في مجتمعات أخرى حيث الثقة أقوى والثقافة مختلفة.  في المجتمعات التي تضعف فيها الثقة، من الصعب تشكيل تجمعات أو أحزاب قوية.  تغيب هذه التكتلات مع مؤسسيها كما حصل ويحصل في لبنان مع أكثرية الأحزاب.  تصبح هامشية فور غياب المؤسس أو القائد التاريخي.

 

لا يمكن أن تستمر حركة 17 تشرين، هذه الحركة الكبيرة المهمة على ما هي عليه والا أضاعت أوقات وطاقة المنظمين والمشاركين وهدرت نفسها مع الوقت. اذا كانت هنالك من خلافات شخصية أو عقائدية، فيجب تذليلها وتوحيد الأهداف والطاقات والوسائل.  المطلوب اليوم انتخاب قيادة قوية للثورة من 5 أشخاص بينهم أمين عام يتبدلون جميعا كل سنتين، بحيث تصبح المداورة واجب وحقيقة.  من واجب القيادة الاتفاق على 5 أهداف أساسية، اذ أن تحقيق كل شيء في نفس الوقت مستحيل.  عندما يتحقق بعض هذه الأهداف، تحل محلها أهداف أخرى أي يبقى المجموع 5 فقط.  تحاور قيادة الثورة ممثلي الدولة بشجاعة وتفرض نفسها على الحكومات اليوم قبل الغد.

 

الانتخابات النيابية ما زالت عمليا بعيدة، ولنكن واقعيين لن تحصل انتخابات مبكرة.  في كل حال هذه الانتخابات المبكرة اذا حصلت اليوم، لن تكون في صالح الانتفاضة لأنها ما زالت غير منظمة في القيادات والأهداف والمشروع.  ليست جاهزة بعد لمواجهة الأحزاب الحاكمة المتمرسة جدا في العمل السياسي الداخلي.

 

نرى أيضا مجموعات تخلق كل يوم، والتمييز بينها صعب ان لم يكن مستحيلا.  شخصنة هذه المجموعات أو الحركات غير صحي وسيؤدي بها الى الزوال والى هدر طاقات الثورة.  يجب أن لا تهدر هذه الفرصة الكبيرة التي يدعمها علنا أو صمتا لا شك أكثرية اللبنانيين.  هنالك شروط للقيادة الكفؤة التي توصل التحرك نحو الفوز السياسي.  مجرد دراسة دقيقة لما حصل في ثورات أخرى قديمة وحديثة تعطي الجواب المناسب.  مجددا لا يمكن الاستمرار من دون قيادة واحدة تخاطب وتضحي وتواجه سياسيا باتظار الفوز في الانتخابات.  الحوار مع السلطة الحالية لا يضعف الثورة، بل على العكس يعطيها فرصا لمخاطبة الرأي العام من موقع مسؤول وأكثر جدية.  لماذا الخوف من الحوار مع رئيس الجمهورية أو الحكومة؟  على العكس، هذا يقوي القيادة الجديدة ويجعلها مقبولة أكثر من الرأي العام وهذا ما يحصل في كل الثورات الناضجة.

 

واجب القيادة الجديدة للثورة أيضا تقديم الحلول للبنانيين لأن السلطة الحالية لن تغادر أو تهاجر.  مجرد الكلام عن الفساد لا يكفي، و«كلن يعني كلن» هو تبسيط للواقع ويفقد الثورة الكثير من الجدية والمصداقية.  المطلوب ليس الاعتراض فقط لأن أكثرية اللبنانيين حزينة ومعترضة أصلا.  المطلوب وضع طريق واضحة للوصول ديموقراطيا الى السلطة.  هذه الطريق ضبابية اليوم بل الأهداف ما زالت غير واضحة والمطلوب معالجة هذه النواقص الكبيرة في القيادة والأهداف بسرعة حتى لا تذوب الطاقة مع الوقت وبالتالي تكون هنالك خسارات كبرى للجميع.

 

الربيع الاقتصادي لن يأتي قبل الربيع السياسي.  حكومة الاختصاصيين، ان تشكلت، ستعطي الوقت والفرصة لقيادة الثورة لمناقشتها بالأفكار والأهداف فتكون مرحلة تحضيرية لها لاستلام الحكم قريبا عبر الانتخابات.  عندما تكون الأهداف محددة والقيادات ذات مستوى وتمثل، لا خوف عندها لأن الحقيقة تكون واضحة للجميع.  لماذا لا تكون الثورة ضمن حكومة الاختصاصيين المدعومة دوليا وبالتالي تؤسس لمستقبل البلد؟

 

هنالك دائما تكلفة ايضافية تتحملها الدول الصغيرة التي تتأثر بالخارج حكما أكثر بكثير من الدول الكبيرة القوية.  لا أتكلم فقط عن لبنان، بل أيضا عن سويسرا وكوستا ريكا وسنغافورة وغيرها.  هنالك دائما ضريبة تفرض عليها أحيانا في المعاملة والاتفاقيات وربما العقوبات أو العكس في التسهيلات والمساعدات.  نعاني اليوم من مشاكل كبيرة نهدر الوقت أمامها عوض بذل كل الجهود لحلها.  نعاني من الفساد والهجرة وضعف الثقة ولن يكون هنالك نهوض مع هذه المساوئ.  لا نستسهل الكورونا التي تكلفنا الكثير في الاقفال والأمراض، وما زلنا لم نعالج كقطاع عام نتائج انفجار 4 آب الكارثي ماديا ومعنويا.

 

في الحقيقة نتساءل اليوم لماذا يبقى المسؤولون في السلطة في ظروف عجز واضح يعرفونها تماما ولا يتحملون المسؤولية الواضحة وهو المغادرة.  دور حركة 17 تشرين هو التصرف بواقعية ودقة بعيدا عن المظاهر والطموحات الشخصية للتحاور مع السلطة القائمة بشجاعة وثقة بانتظار الحكم الشعبي في الانتخابات النيابية وبعدها.  هدر الوقت والشخصنة والتفرق وغياب الرؤية الدقيقة هما أعداء الحركة الصحيحة والمطلوبة.  يجب أن نأخذ العبر من مجموعات الربيع العربي التي لم تنجح في أكثريتها خاصة بسبب الشخصنة وسؤ التنظيم.