IMLebanon

تركيع لبنان

 

اذا كان الهدف تركيع لبنان، فان لبنان ركّع نفسه بعد كلّ الاحداث التي مرّ بها في السنة 2018، وهي احداث اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها جاءت لتكرّس هيمنة الدويلة على الدولة. لم يجد رئيس الجمهورية ميشال عون ما يقوله عن العراقيل التي تحول دون تشكيل حكومة منذ ثمانية اشهر سوى انّ هناك من يريد إيجاد «تقاليد» و»اعراف» جديدة، علما انّه كان من الافضل لو قال ان هناك من لا يعترف بالدستور الذي يفترض ان يكون الحكم وصاحب الكلمة الفصل في كلّ ما له علاقة بتشكيل الحكومة.

 

معروف تماما من يسعى الى «تقاليد» و»اعراف» جديدة، خصوصا بعدما اظهر «حزب الله» ان الحدود الدولية للبنان لا تعني له شيئا وانّ دويلته يجب ان تكون مرتبطة بالقوّة باراض سورية، كما يجب ان يكون له وجود عسكري دائم فيها. ما لم يتنبّه اليه كثيرون في السنوات الأخيرة ان التطوّر المهمّ، وربّما الاهمّ، على الصعيد الإقليمي يتمثّل في ان الرابط المذهبي الذي برّر به «حزب الله» مشاركته في الحرب على الشعب السوري. صار الرابط المذهبي اهمّ بكثير من السيادة الوطنية والحدود الدولية للبنان.

 

تشكّلت حكومة ام لم تتشكّل في الايام الثلاثة الأخيرة من السنة، ذلك لن يقدّم ولا يؤخر في غياب وجود فريق عمل وزاري يضمّ افضل الاختصاصيين اللبنانيين مهمّته الانكباب على معالجة الوضع الاقتصادي تفاديا لكارثة لم يسبق ان شهد البلد مثيلا لها. ما الذي ينفع تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري اذا لم تضمّ شخصيات تمتلك المعرفة والخبرة في حقول المال والاعمال والكهرباء والماء والنفايات وكلّ ما له علاقة من قريب او بعيد بالاقتصاد والبنى التحتية والمحافظة على القطاع المصرفي وإعادة ربط البلد بمحيطه العربي، خصوصا دول الخليج.

 

بات لبنان بلدا مهدّدا في غياب القدرة على تشكيل حكومة فاعلة وفعّالة بدل حكومة محاصصة إرضاء لهذا الطرف السياسي او ذاك او لجعل «حزب الله» ومن خلفه ايران، مطمئنا الى ان لبنان صار في «محور الممانعة». هناك ما هو اخطر من الفراغ الحكومي. هناك سعي الى جعل مجلس الوزراء ساحة للمبارزات السياسية بدل ان يكون هذا المجلس فريق عمل منتجا يعالج الازمات التي غرق فيها لبنان.

 

يدفع لبنان حاليا ثمن الانقلاب المستمرّ منذ ما قبل اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005. في الواقع، بدأ الانقلاب بالتمديد لاميل لحود، رئيس الجمهورية المدعوم من «حزب الله» والنظام السوري، على الرغم من صدور القرار الرقم 1559 عن مجلس الامن، وهو القرار الذي دعا الى حلّ كل الميليشيات اللبنانية، أي الميليشيا التي اسمها «حزب الله» تحديدا، والامتناع عن التمديد لاميل لحود ومباشرة الجيش السوري انسحابه من لبنان.

 

ليس سرّا ان الردّ الاول على القرار 1559 الذي صدر في الثاني من أيلول – سبتمبر 2004 كان محاولة اغتيال الوزير مروان حماده بعد مضي اقل من شهر على صدور القرار. كانت الرسالة ذات بعد ثلاثي. كانت موجهة الى رفيق الحريري اوّلا والى وليد جنبلاط والى جريدة «النهار». فمروان حماده درزي محسوب سياسيا على وليد جنبلاط وهو من القريبين من رفيق الحريري، كما انّه خال جبران تويني الذي كان رئيس تحرير صحيفة «النهار» التي لعبت في تلك المرحلة دورا بارزا في التصدي للوصاية السورية…

 

 

نجا مروان حماده باعجوبة من محاولة الاغتيال. لم يحل ذلك دون اغتيال رفيق الحريري وذلك بغية وضع حدّ لتنفيذ القرار 1559  الذي يشدد على وحدة لبنان وسيادته وانهاء الوضع غير الطبيعي الناجم عن السلاح غير الشرعي من جهة والوجود العسكري والأمني السوري من جهة أخرى. كان اغتيال رفيق الحريري أوضح تعبير عن ازمة النظام السوري التي ما لبثت ان تكشفت ابتداء من العام 2011، وهي ازمة ما زالت مستمرّة الى يومنا هذا مع دخول الحرب التي يشنّها النظام على شعبه مرحلة جديدة ذات طبيعة مختلفة.

 

يندرج ما شهده لبنان من احداث منذ صدور القرار 1559 في سياق واحد. لا بدّ هنا من الاعتراف بانّ «حزب الله» استطاع الاستفادة من كلّ حدث بدءا من تفجير موكب رفيق الحريري وصولا الى اغتيال محمد شطح في مثل هذه الايّام قبل خمسة أعوام.

 

طوال أربعة عشر عاما، لم يحدث شيء بالصدفة في لبنان. من مسلسل الاغتيالات الذي استهدف لبنانيين لهم معنى يشكل كلّ منهم رمزا من رموز ثقافة الحياة في لبنان، الى حرب صيف 2006 التي انتهت بانتصار لـ»حزب الله» على لبنان واللبنانيين، الى الاعتصام في وسط بيروت لتدمير قلب المدينة ومعه الاقتصاد وتهجير اكبر عدد من الشباب اللبناني من لبنان، وصل البلد الى انتخابات ايّار – مايو 2018 استنادا الى قانون وضعه «حزب الله» هدفه الاوّل والأخير زعامة سعد الحريري على الصعيدين الوطني والسنّي.

 

من المرعب، في هذه الايّام، غياب الوعي المسيحي، خصوصا لدى من يسمّون نفسهم بـ»العونيين»، أي «التيار الوطني الحر» الذي يرئسه وزير الخارجية جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية.

 

من المستغرب التلهي، من الآن، بمن سيكون الرئيس المقبل بعد ميشال عون. كذلك، مستغرب الكلام عن حقوق المسيحيين وعن الثلث المعطّل في مجلس الوزراء في بلد كلّ شيء فيه معطّل.

 

هناك ما هو ابعد بكثير من فراغ حكومي في لبنان. هناك خطر على لبنان. هذا ما لم يستطيع فهمه واستيعابه أي ماروني لبناني على استعداد لان يكون رئيسا للحمهورية بايّ ثمن. من بين أسباب هذا الخطر الاختراق الذي حقّقه «حزب الله» مسيحيا والذي مكنه في 2018 من الاستناد الى مجلس نيابي، لا أكثرية فيه لقوى الحريّة والسيادة والاستقلال، من اجل تحقيق هدف بعيد المدى. هذا الهدف هو ربط لبنان بايران. لا يستفيد الحزب من الغياب الاميركي والعربي فحسب، بل يستفيد أيضا وقبل كلّ شيء من غياب الوعي لدى قسم كبير من المسيحيين لامر في غاية الأهمّية. هذا الامر هو ان الحزب لم يكن يوما حزبا لبنانيا ولم يكن يوما مهتما بمستقبل اللبنانيين ومستقبل أولادهم. همّ الحزب محصور في تنفيذ ما تطلبه ايران لا اكثر ولا اقلّ. لماذا يهتمّ حاليا الحزب الايراني بانهيار النظام المصرفي في لبنان خصوصا والاقتصاد عموما؟

 

من المفيد هذه الايام العودة الى تغريدة لمحمّد شطح في مرحلة ما قبل اغتياله. تختزل هذه التغريدة ما يعيشه لبنان حاليا من مآس. قال محمّد شطح، الرجل المستنير الهادئ: «حزب الله» يهوّل ويضغط ليصل الى ما كان النظام السوري قد فرضه لمدة 15 عاما: تخلي الدولة له عن دورها وقرارها السيادي في الامن والسياسة الخارجية». تقول هذه التغريدة كلّ شيء. تقول اين لبّ الازمة التي يمر فيها لبنان ولماذا مطلوب تركيع لبنان…