عاد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى لبنان، بعدما ختم زيارته الى الأردن وتمثيله لبنان في القمة العربية بزيارة منطقة »المغطس« الاثرية الدينية حيث تعمد السيد المسيح بمياه نهر الاردن.. وقد استمع الى »شرح مستفيض عن الموقع وقيمته الروحية والأثرية والدينية.. وبات معلماً دينياً وسياحياً بامتياز..«.
حضر لبنان في قلب المشهد العربي، وقد أطل عبر الكلمة التي ألقاها الرئيس العماد عون، معززاً بتجربة بالغة الأهمية على المستويات كافة في مواجهة خطورة المرحلة التي يمر بها العالم العربي عموماً، ولم يقدم نفسه »ناصحاً ولا مرشداً«، وهو يدعو الى »وقف الحروب بين الأخوة بجميع اشكالها العسكرية والمادية والاعلامية والديبلوماسية..« متسائلاً على ماذا يتقاتل المتقاتلون، أمن أجل القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة.. وغيرها. ومن يربح في هذه الحروب ومن يخسر والجميع خاسرون.. ليخلص واضعاً التجربة اللبنانية أمام الجميع في القمة ويدعوهم الى الجلوس الى طاولة الحوار.. وقد برّأ ذمته قائلاً: »اللهم أشهد أني بلغت«.
بكلمة وجدانية فاقت التوقعات خاطب العماد عون القمة وعبر القمة كل الشعوب العربية وغير العربية، »لعل الجميع يفيقون من كابوس يقض المضاجع..« والعاصفة تضرب جميع دول المنطقة ولم تبقَ دولة بمنأى عن هذه التداعيات والنتائج..
نجح العماد عون في تجنب الدخول في التفاصيل، »حيث تسكن الشياطين« وان لم يفته تعداد المآخذ على جامعة الدول العربية التي كان »من واجبها العمل بأقصى ما أمكن لوقف هذه الحروب..« فكان ان ضربت هذه الحروب الجامعة في الصميم وكان من تداعياتها شل قدراتها وعجز عن أي عمل لايجاد الحلول..
وكما نجح العماد عون في تقديم صورة عما آلت اليه الحروب، كذلك نجح في تفادي الوقوع في مطبات الخلافات اللبنانية، وفي مطبات الصراعات الاقليمية وقد عبر فوق ذلك بروح مسؤولة عززت لديه القدرة على دعوة الجميع الى اعتماد التجربة اللبنانية في الحروب وفي الحوارات وما آلت اليه.. على خلفية اننا جميعاً معنيون بما حصل، ولا يمكن انتظار قاطرة للحلول تأتي من الخارج.. فالمبادرات الفاعلة والمؤثرة تأتي من التوافق على وقف حمامات الدم واطفاء النيران المستعرة في المنطقة العربية.. والجميع خاسر في النتيجة..
بديهي القول ان ما آلت اليه القمة يحتاج الى الوقت الكافي ليبصر النور على أرض الواقع.. على الرغم من أنه لم تبقَ دولة عربية واحدة بمنأى عن تداعيات هذه الحروب ونتائجها.. لاسيما وان ما كان صدر عن القمم السابقة لم يرقَ الى مستوى المطلوب لمواجهة هذه العواصف وكانت القرارات فارغة من أي مضمون عملي ما أدى الى المزيد من الخيبة والمرارات..
وخلافاً لما كان يتوقع، او يعتقد عديدون، فإن لبنان خرج من القمة وهو »الرابح الأكبر«.. ودعوته الى لم الشمل العربي تنطوي على معايير ومفاهيم بالغة الأهمية، من دون استثناء.. وقد خصصت القمة حيزاً بالغ الأهمية في بيانها الختامي للاعراب عن تضامنها ووقوفها الى جانب لبنان، ورحبت بالرئيس العماد عون رئيساً للجمهورية وبالرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة اضافة الى تبني ورقة التضامن العربي الكامل مع لبنان، وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي له ولحكومته ولكافة مؤسساته الدستورية، بما يحفظ الوحدة الوطنية اللبنانية وأمن واستقرار لبنان وسيادته على كامل أراضيه وتأكيد حق اللبنانيين في تحرير او استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة والتأكيد على أهمية وضرورة التفريق بين الارهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الاسرائيلي التي هي حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي وعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً ارهابياً..« مشيداً »بالدور الوطني الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية في مكافحة الارهاب ومواجهة التنظيمات الارهابية والتكفيرية.. وفي صون الاستقرار والسلم الأهلي ودعم الجهود المبذولة من أجل بسط السيادة اللبنانية حتى الحدود المعترف بها دولياً..«.
وإذ دعم قرار القمة موقف لبنان في مطالبته المجتمع الدولي تنفيذ القرار ١٧٠١ المبني على القرارين رقم ٤٢٥ و٤٢٦ فقد تجاهل كلياً القرار (السيىء الذكر) ١٥٥٩ وما نتج عنه، كما لم ينشر من قريب او من بعيد »اعلان بعبدا«، ما اعتبر رسالة عربية موجهة الى الداخل اللبناني ولبعض الافرقاء العاملين على احياء هذا الاعلان، خصوصاً وأن الرئيس العماد عون تجنب في كلمته أمام القمة اثارة أي موضوع او عنوان من المواضيع والعناوين الخلافية او محل اشكال، ولم يقارب الدور الذي يقوم به »حزب الله« خارج الحدود اللبنانية..
ليس من شك في ان ما يحصل يشكل انجازاً بالغ الأهمية، ويضع الجميع أمام مسؤوليات كبرى ازاء الاستحقاقات الداهمة وفي طليعتها اجراء الانتخابات النيابية وانجاز الموازنة وسلسلة الرتب وسائر الموضوعات الحياتية والأمنية والمعيشية والاجتماعية الضاغطة..