صحيح أنّ العمليّة العسكريّة التي نفّذتها وحدات من فوج المجوقل في الجيش اللبناني في بعض مخيّمات عرسال وجرودها فجر يوم أمس الجمعة، تدخل في سياق العمليّات الإستباقيّة التي دأبت القوى الأمنيّة اللبنانيّة كافة على تنفيذها منذ فترة زمنيّة طويلة، بعد أن أثبتت فعاليّتها في الأشهر والسنوات القليلة الماضية، إلا أنّ الأصحّ أنّ توقيت العمليّة الإستباقيّة الأخيرة وكلاً من حجمها وأهدافها فاقت بأهمّيتها العمليّات السابقة لأسباب عدّة، وهي لعبت دوراً كبيراً في نجاة لبنان من مُخطّط يقضي بتنفيذ هجمات إنتحاريّة مُتزامنة، الأمر الذي إستدعى توجّه قائد الجيش العماد جوزيف عون شخصياً إلى المنطقة للإطلاع ميدانياً على نتائج العمليّة وللثناء على جهود الضباط والجنود الذين قاموا بتنفيذها، وكذلك لتأكيد وقوف الجيش بالمرصاد لمختلف المُخطّطات الإرهابيّة.
وكشفت مصادر أمنيّة مُطلعة أنّ معلومات دقيقة توفّرت لمديريّة الإستخبارات في الجيش اللبناني ـ بناء على إعترافات بعض الموقوفين الجُدد لديها، عن تواجد مجموعة من مسؤولي الجماعات الإرهابيّة «الأمنيّين» و«الشرعيّين» في مخيّمي «النور» و«القاريّة» في منطقة عرسال، إضافة إلى أشخاص يتحضّرون لشن هجمات إرهابيّة إنتحاريّة بشكل جَماعيّ وبتوقيت مُتزامن، وذلك في أكثر من منطقة لبنانيّة، وضُدّ أهداف مدنيّة بالتحديد. وأضافت أنّه على الرغم من أنّ المعلومات في هذا الصدد والتي وصلت إلى أجهزة الإستخبارات اللبنانيّة الرسميّة لم تكن مُكتملة، إتخذ القرار بالتحرّك سريعاً لإفشال هذا المُخطط الإرهابي الجديد في مهده، على أمل أن تُسفر التحقيقات التي ستنتج عن إعتقال المطلوبين والمشبوهين في المخيّمين المُستهدفين عن تبيان كامل تفاصيل هذا المُخطّط. وأوضحت المصادر نفسها أنّ بعض الإرهابيّين الذين قاموا بتفجير أنفسهم خلال حملة المُداهمات الواسعة التي نفّذتها قوى الجيش، كانوا قد تسلّلوا حديثاً إلى هناك في حين أنّ بعضهم الآخر هم من ساكني المُخيّم وقد جرى تجنيدهم من قبل الجماعات الإرهابيّة، وتحضيرهم لتنفيذ هجمات مُختلفة، الأمر الذي يُسقط إدعاءات بعض الجهات بأنّ الإعتقالات التي تُنفّذها القوى الأمنيّة تستهدف مدنيّين عُزّل ونازحين أبرياء.
ونفت المصادر الأمنيّة نفسها أنّ يكون توقيت العمليّة الإستباقيّة للجيش مُرتبطًا بأي تحضيرات لهجوم واسع على المجموعات المُسلّحة في جرود عرسال، مشيرة إلى أنّ الجيش معنيّ بضبط الأمن داخل الحدود اللبنانيّة، وبمنع تسلّل الإرهابيّين إلى الداخل اللبناني، وكذلك بمنع تحويل مخيّمات النازحين إلى مُعسكرات لتجنيد ولتدريب و«لغسل أدمغة» بعض الشُبّان وتحويلهم إلى إنتحاريّين. وأضافت أنّ عمليّة الجيش اللبناني تدخل في سياق العمليّات الإستباقيّة الدَوريّة، وهي غير مُرتبطة بالتالي بما يتردّد عن تحضيرات يقوم بها الجيش السوري و«حزب الله»، لحسم مسألة المُسلحين في جرود عرسال وداخل ما تبقى من مساحات تحت سيطرة هؤلاء في القلمون.
وفي حين تحفّظت المصادر الأمنيّة عن تحديد الأماكن التي كانت تنوي المجموعة الإرهابيّة الإنتحاريّة إستهدافها، مُشيرة إلى أنّ التحقيقات مع من لم يُطلق بعد من المُعتقلين مُستمرّة لكشف كل الملابسات، على أن يتمّ إعلان ما يُمكن إعلانه منها بشكل رسمي عند إنتهاء التحقيقات، عُلم أنّ التحضيرات كانت قائمة لتنفيذ ضربة إرهابيّة مُوجعة وفق أسلوب تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيّين، أي لجهة مُشاركة أكثر من إنتحاري واحد في العمليّة، ولجهة إستهداف أكثر من مكان وموقع جغرافي في توقيت مُتزامن قدر المُستطاع، لإيقاع أكبر عدد مُمكن من الضحايا ولإحداث صدمة كبيرة في نفوس المُواطنين أيضاً. وبحسب المعلومات المتوفّرة أيضًا، فإنّ المجموعة الإرهابيّة التي جرى كشفها وضربها إستباقيًا كانت وضعت خطّة دقيقة للإلتفاف على حواجز الجيش في محيط عرسال، بحيث تمرّ مع الأحزمة الناسفة عبر طرقات غير إسفلتيّة وخارج أي مُراقبة أمنيّة تُذكر. ودائماً بحسب المعلومات المُتوفّرة، فإنّ المجموعة الإرهابيّة كانت تُخطّط لضرب مجموعة من الأهداف البعيدة عن منطقة عرسال، من بينها تفجير كان سيستهدف قلب العاصمة بيروت، لتوجيه صفعة أمنيّة وإقتصاديّة في آن واحد، ولضرب الإستقرار وإفشال الموسم السياحي الواعد. ومن بين الأماكن التي كان يجري التحضير لضربها، أهداف محسوبة على الطائفة المسيحيّة، وفي البقاع بالتحديد لكن خارج منطقة القاع.
من جهة أخرى، توقّعت أوساط سياسيّة أنّ تُحرّك العمليّة الأمنيّة التي نفّذها الجيش اللبناني في عرسال، والتي نجحت بشكل مُمتاز، موضوع أمن مخيّمات النازحين السوريّين من جديد، بحيث من المُرتقب أن يتم طرحه على طاولة مجلس الوزراء وفي الإجتماعات السياسيّة المُرتقبة، وكذلك في خلال الإجتماعات المُقبلة لقادة الأجهزة الأمنيّة المختلفة، لأنّ عدم إتخاذ إجراءات سريعة لضبط الأمن بشكل تام داخل هذه المخيّمات، سيسمح لكثير من «الخلايا الإرهابيّة» بالتسلّل إليها وبالإحتماء خلف عباءة الحق الإنساني بالعيش الكريم، للتحضير لضربات إنتحاريّة ولهجمات إرهابيّة لم تُقفل صفحتها كليًا بعد، على الرغم من تراجع وتيرتها بشكل كبير بفعل العمل الإستخباري المُتقدّم للأجهزة الأمنيّة والمُتزامن مع عمل إستباقي مدروس للجيش اللبناني