للمرة الثانية أُدخلنا (بضم الألف لأن الفاعل ليس منا) في تجربة الشغور الرئاسي، الأولى بعد انتهاء ولاية ممدّدة للرئيس إميل لحود والثانية بعد ولاية لم يشأ أولياء الأمر التمديد لها، ولا زلنا نعيش في وارف ظلال فراغها. الفراغان حصلا في ظلّ الغياب المادي للدولة الراعية، الأول تم ملؤه في «الدوحة» العاصمة الملائمة لتوازن القوى حينها، ويتم حالياً إنتاج توازن قوى جديد، ليقرر على أساسه أصحاب الحل والربط الإقليميين العاصمة المناسبة لإنهاء الشغور الثاني. لم نتعلم شيئاً من التجربة الأولى، عنوانها كان «لا لإخراج سوريا من المعادلة السياسية اللبنانية حتى لو انكفأت جيوشها» وظروف إنتاجها إستنفار العصبيات وتهديد الإستقرار الداخلي. المرحلة الثانية تبدو ظروفها أكثر تعقيداً، عنوانها « لا لطاولة مفاوضات حول سوريا دون أن تكون الساحة اللبنانية أحد أوراقها وربما جائزة الترضية لأحد لاعبيها» وظروف إنتاجها انهيار الحكومة وسقوط الدولة.
«المادة 62» من الدستور اللبناني نصّت على إناطة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء في حال خلو سدة الرئاسة لأي سبب كان، والتفسير البديهي لذلك يعني أنّ هناك صلاحيات إضافية أُعطيت لمجلس الوزراء فيما الصلاحيات المناطة بموجب الدستور أصلاً برئيس الوزراء أو بمجلس الوزراء تبقى خارج هذا التوكيل، ولا سيما لجهة النصاب والتصويت المطلوبين. تآكلت صلاحيات رئيس مجلس الوزراء فتوزعها وزراؤه، كما تلاشت الغالبيات المطلوبة لانتخاب الرئيس في دورات الإنتخاب المحددة في «المادة 49» من الدستور لتتحوّل إلى غالبيات سياسية دون أي مسوغ دستوري. النظام السياسي في لبنان أضحى نظاماً مجلسياً ذي «قيادة جماعية» تُشرف عليه هيئة الحوار الوطني.
يشاطر الكثير من اللبنانيين رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الرأي عندما وصّف هيئة الحوار الوطني
بـ«مجلس تشخيص مصلحة النظام» ولكني أعتقد بأننا نطّبق طريقة إنتاج السلطة في إيران، وربما طبّقنا النموذج الإيراني قبل الجمهورية الإسلامية. فاختيار المرشح الرئاسي و«لا أقول الرئيس» يمر بآلية مشابهة لتلك التي يمر بها المرشحون عبر» مجلس صيانة الدستور» الذي يلعب دوراً كبيراً في تحديد نتيجة السباق الإنتخابي قبل بدايته. هذا المجلس وفقاً للدستور الإيراني، يفرز المرشحين ويحدّد صلاحيتهم لخوض الإنتخابات من عدمها، وهذا ما حصل مع حجة الاسلام السيد حسن الخميني حفيد مؤسس الجمهورية وما حصل مع مرشحي الرئاسة في لبنان. أما في مجال التفوق على الجمهورية الإسلامية في اللعبة الديمقراطية فيحضرنا ما صدر عن السيد هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وأحد أركان النظام السياسي الإيراني حين أعلن إمكانية التحوّل إلى قيادة جماعية لمنصب المرشد في حال خلوه. في لبنان تحوّلنا إلى قيادة جماعية منذ حصول الشغور الرئاسي وبشكل تلقائي وهذا ما يستوجب تعديل «المادة 62» من الدستور لتصبح على الشكل التالي:«في حال خلو سدّة الرئاسة لأي علّة كانت تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء الذي يتحوّل إلى قيادة جماعية».
حفيد الإمام الخميني، كما أوردت الصحف، لن يذهب إلى إبداء اعتراض علني استبعاده النهائي المحتمل من خوض الإنتخابات، بل سيحافظ على موقعه كقيّم على المؤسسة التي تعنى بضريح جده وتراثه، وفي لبنان لن يعترض أيّ من المرشّحين على استبعاده بل سيهتم بضريح جده أو بالمكان الذي يختاره لضريحه.