وحده الله يعلم كيف سيكون حال اللبنانيين اليوم على الطرقات العامة، سيتأبّط كل مواطن سيارته حرصاً على أمن وزير خارجيّة أميركا الذي اعتذر بالأمس عن سياسات دولته التي تسببت بتضخم حجم حزب الله، إعتذار متأخّر جداً ولا معنى له سوى أنّ مايك بومبيو «ما إلو عين يقول» للبنانيّين تفضلّوا ونظّفوا أخطاء الإدارات الأميركيّة المتعاقبة، لا نعرف ما إذا كان بومبيو يعرف أنّ الرئيس الأميركي جيمي كارتر، شبّه لبنان عام 1978 بـ»القنفذ».
لا نعرف ما إذا كان مايك بومبيو حملق جيداً بواقع لبنان اليوم، لبنان اليوم في وضع لا يحسد عليه وهو يشبه وضعه في مطلع ثمانينات القرن الماضي ـ بس بلطافة ـ مع تهجير القوات المتعددة الجنسيّة عام 1983، ثمّ الانقلاب الذي نفذته الميليشيات الشيعية بتوجيه ورعاية خمينية ـ أسدية في 6 شباط 1984!!
لبنان اليوم متروك للفراغ وللإنهاك، كأنّ المطلوب أن يستنزف حتى آخر قطرة، وتسويات المنطقة التي لم يحن موعدها بعد ومنذ أحكمت إيران قبضتها على لبنان استطاعت إحكام قبضتها على المنطقة انطلاقاً منه وهذه هي الحقيقة الإقليميّة، التي تكابر أميركا ودول الخليج من ورائها على الاعتراف بها!
رسول دونالد ترامب إلى لبنان يصل بتوقيت يغرّد فيه رئيسه بأنّه «بعد 52 عاما حان الوقت لتعترف الولايات المتحدة اعترافا كاملا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي تتميز بأهمية استراتيجية وأمنية حيوية بالنسبة لدولة إسرائيل واستقرار المنطقة» وللمناسبة طوال أربعين عاماً استبدل النظام الأسدي في سوريا لبنان بالجولان!!
والأميركيون على ما يبدو كاللبنانيّين يحبّون دفن رؤوسهم في الرمال، يأتينا بومبيو ـ وهو يعرف ـ أن لا نظام سياسي، ولا دستور، ولا رئاسات ولا حكومات في لبنان إلا كما يريدها حزب الله إلى حين فرضه النظام الإيراني الذي يناسبه وفرض مرجعيّة الوليّ الفقيه على لبنان، وتحوّل حزب الله إلى ما يسمّى «الحرس الثوري اللبناني»، يأتي بومبيو في لحظة وبقوّة السّلاح لم تترك إيران فيها فعاليّة لأيّ دورٍ عربيّ ولا أوروبي ولا أميركي في لبنان، ولا في المنطقة حتى، والعرب مأزومون اليوم كلٌّ غارقٌ حتى أذنيْه في أزماتٍ كبرى خلقتها لهم إيران داخل حدودهم أو على تخومها!!
هل سبق واطّلع بومبيو على أنّ ما يفعله حزب الله في لبنان اليوم هو ما سبق وأعلنه منذ ثمانينات القرن الماضي: «نحن لا نملك مقومات حكم في لبنان والمنطقة، لكن علينا أن نعمل لنحقق هذا. ومن أهم الوسائل تحويل لبنان مجتمع حرب (السفير، نيسان 1986). «مشروعنا هو إقامة مجتمع المقاومة والحرب في لبنان (السفير، تشرين الثاني 1987)، ويقول الشيخ حسن طراد إمام مسجد الإمام المهدي: «إن إيران ولبنان شعبٌ واحد، وبلدٌ واحد، وكما قال أحد العلماء الأعلام: إننا سندعم لبنان كما ندعم مقاطعاتنا الإيرانية سياسياً وعسكرياً»، ومن «كلّ عقله» دونالد ترامب ورسوله إلى لبنان أنّ بمقدورنا مواجهة باسيج إيران في لبنان؟!
«مستر» مايك بومبيو، من المؤسف أنّكم تذكرتمونا في لبنان ونكاد نقول لك بعد فوات الأوان، على أميركا أن تنظف أخطاءها بحق لبنان والمنطقة أيضاً، ونحيل كل تصريحاتك التي ستطلقها عبر الشاشات اللبنانية على عينة من تصريحات مسؤولي حزب الله منذ ثمانينات القرن الماضي: «سئل أحد قادة حزب الله إبراهيم الأمين: أنتم جزء من إيران؟ فكان رده: «نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران» [جريدة النهار: 5 – 3 /1987].