IMLebanon

لبنان البقعة الوحيدة المستقرة.. فوق صفيح ساخن

الإرهاب هو الخطر الحقيقي الأكبر

لبنان البقعة الوحيدة المستقرة.. فوق صفيح ساخن

لا مكان للبطالة في السياسة، تماماً كما لا مكان للفراغ. هي قواعد بديهية وإن حاول اللبنانيون أحياناً تناسيها او تجاوزها. فوسط اتهامات بالبطالة المقنعة والسافرة للطبقة السياسية، خصوصاً للمجلس النيابي، ثمة مَن يسوس الناس وأحوالهم وشؤونهم.

ليست «العجيبة اللبنانية» وحدها من تسيّر شؤون هذا البلد وتُبقيه قائماً بحد ادنى من مقومات الحياة. فهذه «العجيبة» أثبتت أن لها بعض ما تستند عليه من نظام وميثاق وهيكل دولة.

في بلد لا رئيس جمهورية فيه ولا جلسة لمجلسه النيابي ووزراؤه برتب رؤساء، ورئيس وزرائه برتبة «شيخ صلح»، بلد رجال الدين فيه يفتون في شؤونه المدنية، وسياسيوه يقفون على ابواب رضى رجال الدين… في بلد كهذا، كيف يمكن تفسير صموده واستمراره واستقراره وسط انهيار الدول وتفككها من حوله وجبهات القتال تحيطه من كل جانب!

يحيل أحد الوزراء تماسك البلد الى «حرص اقليمي ودولي على استقراره لمصالح لا علاقة لها بلبنان بقدر ما لها علاقة بدول الجوار وبأجنداتها». لكن اسقفاً مارونياً يعتبر أن «حصانة البلد الأساسية تتأتى من تركيبته ونظامه الذي لا يتوقف بعضهم عن تهشيمه والتشهير به كأنه خطأ تاريخي او حتى جغرافي».

يقول الأسقف «لبنان، على رغم الكثير من المآخذ على طبقته السياسية، كما علينا نحن رجال الدين وحتى المواطنين في بعض سلوكياتهم، أثبت أنه من اكثر البلدان مناعة في وحدته ورسوخاً في انفتاحه وديموقراطيته. حتى انتقادنا المتواصل لغياب دولة المؤسسات، فيه بعض من التحامل. فمؤسساتنا تعمل، ليس بقدر طموحنا ولا بالشفافية المطلوبة ربما، لكنها تسير وتنتج. وأحوال البلد ونموه مقبولة إذا ما قارنّاها بمحيطه. حتى الطائفية التي نرمي عليها كل الذنوب والخطايا تبين أنها أقل بكثير مما كان مكتوماً في دول أخرى عاشت عقوداً تسخر من طائفيتنا الى ان تبين انها تختزن في بواطنها كمّاً مخيفاً من التعصب والحقد انفجر عند اول امتحان».

يعزو الاسقف «حسن احوالنا» الى «قيمة جوهرية هي محور فكرة لبنان: الحرية. فهي حصانتنا ومظلتنا ومتنفسنا».

كلام الاسقف، الذي لا يخفي اعجاباً بفكرة لبنان وتجربته وحريته، تردده سفيرة دولة غربية تعتبر أن «استقرار لبنان، على الرغم من اشتعال جواره، يعتبر انجازاً يجب ان يسجل للشعب اللبناني اولاً. صحيح ان الدول تحرص على الحفاظ على هدوء الاوضاع هنا، الا انه لو انجرف اللبنانيون الى جنون المنطقة فلا يمكن لأحد ردعهم. وهم سبق ان تقاتلوا في ظروف ولاسباب اقل حدة من التي تمر بها المنطقة. لذا يجب ان يُسجل للبنانيين وعيهم في هذه المرحلة. وعلى الدول ان تشجعهم وتدعمهم لاسيما في مجال مكافحة الارهاب، وهو الخطر الحقيقي الأكبر على هذا البلد».

يكاد كلام الاسقف والسفيرة يعطي بعضاً من شهادة حسن سلوك للبنانيين. لكن لا يمكن إنكار ان فيه شيئاً من الحقيقة. لا يعفي ذلك اللبنانيين من تقصير على مستويات كثيرة، ومن خفة في التعاطي مع استحقاقات وقضايا كبرى داخلية وخارجية، ومن أمراض بنيوية تحتاج الى علاجات جذرية. لكن النظر من مسافة الى شؤون لبنان اليوم وواقعه وسط خارطة المنطقة، يُظهره البقعة الوحيدة المستقرة وإن كانت فوق صفيح ساخن.

هل من السذاجة نسبة ذلك الى «العجيبة اللبنانية»؟

يقول ميشيل لاكروا «إن سذاجة البالغين، والتي تضم بداخلها المعرفة والواقعية وبُعد النظر، وأيضاً خلاصة خيبات الأمل، هذه السذاجة عندما نخنقها ونقمعها، فإننا نحرم أنفسنا من مميزات مهمة جداً للعيش بسلام وسعادة».