من المفارقات »الغريبة العجيبة«، انه وفيما لبنان يدخل هذه المرة من بوابة القاع، في مواجهة مفتوحة مع المجموعات الارهابية، غير »المحددة الهوية«، فإن عدداً من الدول لايزال عنده مواقفه السابقة، وخلاصتها طمأنة لبنان الى أنه »بخير ولا خوف عليه، وان أمنه واستقراره خط أحمر«.. هذا في وقت، لم يعد »الارهاب« الموصوف بـ»التكفيري« اسير المناطق، بل بات عابراً لحدود الدول والقارات، يضرب متنقلاً، من أميركا، الى فرنسا، الى بلجيكا، الى تركيا، وقبلها العراق وسوريا وليبيا وباكستان وافغانستان وغير دولة، من دون ان يهتز لهذا الارهاب »جفن عين«؟!
التجارب الارهابية السابقة مع لبنان، لم تصل الى مبتغاها.. لكن، ومع تطور الأحداث على المستويات الدولية والاقليمية، وحاجة هذه الجماعات الى توفير »مساحات آمنة« أعاد لبنان الى مربع المواجهة الحقيقية والفعلية، والتي لم تكن جريمة القاع سوى واحدة من رسائلها المتوقعة.. على ما يقول خبراء استراتيجيون.
تدل المعلومات الأمنية والتقارير المتراكمة، والصادرة عن غير جهة، ان ما تعرضت له بلدة القاع البقاعية، التي تحظى بموقع استراتيجي مميز على الحدود اللبنانية – السورية هو حلقة في سلسلة، موقوف استمرارها على جملة اجراءات وتدابير فوق الاحترازية يمكن للقيادة العسكرية ان توفر جزءاً منها وفق امكاناتها المتواضعة جداً، خصوصاً وان قراءة عديدين من الخبراء الاستراتيجيين ربطوا ما حصل في القاع، وما يمكن ان يحصل لاحقاً في غير منطقة بالتطورات الجارية على الساحتين العراقية والسورية، وشعور الجماعات المسلحة الى »منطقة أمان«.. فما حصل في القاع فجر وليل 27 – 28 حزيران، لم يكن »هفوة« او »زلة قدم«، بل يمكن ان يشكل رسالة لا بد من التوقف عندها والتعامل معها بغير الطريقة التي جرى التعامل بها، عن طريق »الهوبرات«.. خصوصاً، وعلى ما يظهر فإن استراتيجية »الجماعات الارهابية« تبدو أكثر مرونة مما يتصور البعض وهي قابلة للتكيف مع الظروف المحيطة والحاجات الملحة.
قلنا في مقالات سابقة، ان النظرة الى القاع، كما الى راس بعلبك، على أنها »خاصرة رخوة«، هو غير نظرة المجموعات الى عرسال وأي منطقة أخرى، على سبيل المثال لا الحصر.. والقبض على هاتين البلدتين المسيحيتين يوفر للجماعات الارهابية فرصة ذهبية لا تقدر، وهما يمتدان على مساحات واسعة غير مكشوفة ولها عشرات المعابر مع الاراضي السورية حيث يسيطر المسلحون..
صحيح ان »الدولة« أطلقت النفير العام.. وها هو رئيس الحكومة تمام سلام، يحاول ضخ الطمأنينة في نفوس اللبنانيين القلقين ويقول في جلسة مجلس الوزراء أمس، ان »وضع لبنان أفضل من غيره (لم يقل من هو هذا الغير) مع ان المعركة مع الارهاب كبيرة..« منبهاً الى عدم جواز ربط ما حدث بالنزوح السوري ووضع لبنان بأكمله بوجه النازحين..« مؤكداً »جهوزية الجيش والقوى الأمنية«؟! لكن ما بين التمنيات والامكانات المتوافرة لدى المؤسسة العسكرية، لا يكفي لرفع درجة التأهب الى الأقصى.. وامكانات الدولة معروفة وما يحاول البعض ان يصيغة من سيناريوات ومشاريع، من مثل انتشار الجيش على طول الحدود البرية الشرقية مع سوريا »شك بلا رصيد« وهو انتشار يحتاج الى أضعاف أضعاف عديد الجيش والى امكانات سلاحية غير متوافرة، ولا يمكن توافرها في ظل الظروف الدولية والاقليمية وقد حجبت المساعدات عن المؤسسة العسكرية لأسباب لا علاقة للمؤسسة بها.. هذا إضافة الى ان الحديث عن »قوات دولية« تنتشر على كامل الحدود، مسألة لا تعدو التمنيات ولا أسس دولية – اقليمية لتمريرها في ظل الانقسامات الحاصلة؟!. خصوصاً وان الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، تقوم بدورها، وهي جزء لا يتجزأ من المعارك الدائرة في العراق وفي سوريا.. وكل منها في موقع مختلف عن الآخر..؟!
ليس المهم الى أي تنظيم ينتمي »الانتحاريون« هؤلاء الذين فجروا أنفسهم في القاع، وقبلها في غير مكان.. والاستخفاف بامكانات »الجماعات الارهابية« هذه لا يفيد.. الأمر الذي يعزز المخاوف من ان تكون المعلومات عن »الخلايا النائمة« صحيحة، وهي منتشرة في غير منطقة من لبنان.. والذين اعتقلوا، قبل أيام، اعترفوا »بالصوت« و»بالصورة« عن أنهم جزء من هذه »الخلايا العنقودية«..
من اسف، أنه، وعلى الرغم من هذه المشهدية، فإن الدولة في غيبوبة سياسية حقيقية، والأجهزة الأمنية، وبالتنسيق مع جهات غير رسمية، تقوم بدور لافت وبالغ الأهمية في متابعة هذه الخلايا النائمة والقبض على عناصرها، وهم بالمئات ولم يعودوا بالعشرات.. لكن هذا الدور لا يشكل وقاية كافية وكاملة من أية مخاطر محتملة.. خصوصاً وان اللعب على الأوتار الطائفية والمذهبية أخذ مداه الأوسع وشكل عائقاً في العديد من المناطق أما اجتثاث هذه المجموعات او »الخميرة« التي يعدها من هم وراء الكواليس.. وقد قالها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بوضوح وصراحة كاملين ان »ما حدث في بلدة القاع ليس أمراً عابراً بل جزء من مخطط يحضر له..« مؤكداً اعتقال 7 شبكات ارهابية في الأشهر الأخيرة وتعطيل مخططاتها..« لافتاً الى »ان الخلايا الارهابية الجديدة هي خلايا عنقودية، أفرادها لا يعرفون بعضهم البعض وكل واحد مكلف بمهمة محددة..« مشيراً الى ان »هناك عشرة أهداف محتملة للاستهداف..«؟! وهو أمر أكدته أمس مديرية المخابرات في الجيش بالاعلان عن أنها أحبطت عمليتين إرهابيتين على درجة عالية من الخطورة كان »داعش« خطط لتنفيذهما ويقضيان باستهداف مرفق سياسيح ومنطقة مكتظة بالسكان..