يُواجه لبنان غداً الأحد في اجتماع القاهرة غير العادي على مستوى وزراء الخارجية والذي دعت اليه المملكة العربية السعودية موقفاً حرجاً يتعلّق بموضوع «إدانة التدخّلات الإيرانية في المنطقة». وسيكون الأمر شبه عادي بالنسبة للبنان الذي بإمكانه إمّا التغيّب عن المشاركة في الاجتماع أو المشاركة فيه على مستوى تمثيل عادي المندوب الدائم لدى الجامعة، واتخاذ موقف متحفّظ منه يرتبط بخصوصية لبنان، على ما جرى في اجتماعات سابقة حول الموضوع نفسه… لو لم يكن رئيس حكومته يمرّ بأزمة سياسية فعلية أقحمته فيها المملكة في الوقت الذي نجح فيه في عقد تسوية سياسية في لبنان أدّت الى حلّ مسألة الشغور الرئاسي الذي ساد لأكثر من عامين، وما تلا انتخاب الرئيس العماد ميشال عون من إنجازات أخرى أدّت الى تأمين الأمن والاستقرار في البلاد.
المملكة العربية السعودية دعت لهذا الاجتماع الطارىء بهدف الحصول على إجماع عربي بإدانة إيران لتدخّلها في اليمن واتهامها لها بتزويد الحوثيين فيها بالصواريخ الإيرانية الصنع، ومنها الصاروخ البالستي الذي أطلق على مطار الملك خالد الدولي وقامت الرياض باعتراض طريقه، وما تعرّضت له مملكة البحرين من عمل تخريبي إرهابي بتفجير أنابيب النفط فيها، فضلاً عن اتهام إيران بتقويض الأمن والسلم ليس في المنطقة العربية فحسب بل في العالم بأسره. كما تريد استخدام هذا الإجماع بالتالي كورقة قوية بيدها تحيلها الى مجلس الأمن الدولي لاستصدار إدانة دولية لإيران، علماً أنّ هذه الأخيرة تتعرّض لعقوبات اقتصادية متشدّدة جدّاً تفرضها عليها الولايات المتحدة الأميركية. لكنّها لم تدعُ، على ما أكّدت أوساط ديبلوماسية، الى اجتماع طارىء لبحث موقف لبنان المبدئي والذي نصّ عليه البيان الوزاري للحكومة لجهة «النأي بالنفس عن صراعات دول المنطقة»، ولا لمعاقبة لبنان بالتالي على موقفه النابع من خطاب القسم للرئيس عون الذي أعلن فيه التزامه بميثاق الجامعة العربية ولا سيما المادة الثامنة منه التي تنصّ على أنّه: «تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهّد بأن لا تقوم بعمل يرمي الى تغيير ذلك النظام فيها».
وكشفت الأوساط عن تأكيدات على المستوى الدولي بأنّ الجامعة لن تقوم بتعليق عضوية لبنان، أيّاً يكن موقفه، وإن كان البعض يتحدّث عن إمكانية حصول مواجهة عنيفة بينه وبين الدول الخليجية في اجتماع الجامعة، انطلاقاً من حرصها على أمن واستقرار لبنان الذي تتمّ المحافظة من خلاله على أمن منطقة الشرق الأوسط ككلّ.
ولأنّ الاجتماع الاستثنائي أو غير العادي يُناقش بنداً واحداً فقط لا غير يوضع على جدول أعماله، بحسب ميثاق الجامعة، ولا يُمكن إدراج مسائل أخرى غير تلك التي عُقدت الدورة من أجل النظر فيها، ما لم يُقرّر المجلس خلاف ذلك بأغلبية ثلثي الأعضاء، فلا يُمكن بالتالي الطلب من وزراء الدول العربية المشاركين التصويت مثلاً على قرار «إدانة «حزب الله» لتدخّله في إيران وسوريا» ولا أي طلب آخر يتعلّق بلبنان.
وكشفت أنّ لبنان سيُشدّد في كلمته أمام الوزراء المجتمعين على عدّة ثوابت أهمّها عودة الحريري الى لبنان كأولوية، وإعلاء مصلحة لبنان فوق كلّ الاعتبارات، ثمّ رفض أي تدخّلات لأي دولة في الشؤون اللبنانية الداخلية، وتبيان الفارق الكبير بين طلب مساعدة دولة شقيقة وقبول مساعدتها غير المشروطة وشكرها عليها، وبين تدخّلها أو مساعدتها من دون أي طلب لبناني رسمي لأنّ هذا الأخير مرفوض كلياً. كما سيتحدّث عن ضرورة حفاظه على وحدته الوطنية وتعزيزها، كما على رفضه أي صفقات وتسويات تحصل في المنطقة على حسابه، بل إنّه سيعمل على إفشالها، انطلاقاً من كونه بلداً حرّاً وسيادياً يرفض تدخّل أي دولة أخرى في شؤونه الداخلية.
وسيلفت لبنان الى أنّ استقالة الحريري التي أعلنها من الرياض لم تكن بملء إرادته لأنّها جاءت من خارجه، ولهذا لم يتمّ الأخذ بها لا من قبل رئيس الجمهورية ولا من قبل رئيس مجلس النوّاب ولا حتى من الشعب اللبناني، وهي تُعتبر أيضاً تدخّلاً واضحاً في الشؤون الداخلية اللبنانية، حتى أنّ مسألة احتجاز حرية الحريري اعتبرتها دول العالم، وليس الرئيس عون فقط عملاً عدائياً من قبل المملكة تجاه لبنان، وإلاّ لما تجاوبت مع طلب لبنان الديبلوماسي، من خلال الجولة التي قام بها الوزير باسيل على الدول المؤثّرة في المنطقة، ما سمح بذهاب الحريري وعائلته الى باريس اليوم، على ما هو مقرّر، على أمل أن يعود منها الى بلاده.
ومن هنا، فإنّ لبنان من المرجّح أن يتمثّل في اجتماع القاهرة على مستوى وزير خارجيته، إلاّ إذا ارتأى الوزير باسيل في اللحظة الأخيرة عدم المشاركة، أسوة بنظيره العراقي إبراهيم الجعفري الذي فضّل إيفاد أحد وكلاء الخارجية لتمثيل بلاده في الاجتماع ما شكّل صفعة للمملكة، وتمثيله على مستوى الأمين العام للخارجية السفير هاني شميطلّي، على غرار ما حصل خلال الدورة العادية الـ 148 لمجلس الجامعة الذي عُقد في أيلول المنصرم.
فهل سيحصل الانفجار الكبير أم أنّ الأمور ستمرّ بسلام؟ تجيب أوساط ديبلوماسية مواكبة أنّ لبنان ليس في صدد التصعيد تجاه الدول العربية، على ما يعتقد البعض، ولا سيما المملكة السعودية ودول الخليج بل سيُشدّد على أفضل علاقات الأخوة المميزة معها، ومع أي بلد عربي شقيق آخر انطلاقاً من كونه بلداً عربياً وعضواً في جامعة الدول العربية ويلتزم بميثاقها. وهو بالتالي لن يذهب الى القاهرة لمواجهة السعودية بل لشرح موقف لبنان من أي تدخّلات خارجية في المنطقة. أمّا في حال جرت محاولة إحراجه في إدخال موضوع «حزب الله» في بيان الإدانة النهائي الذي سيصدر عن الاجتماع، فإنّه سوف يتحفّظ عن ذلك كون الحزب هو مكوّناً أساسياً وشريكاً في الحياة السياسية، ولا يُمكنه بالتالي إدانته رسمياً حفاظاً على خصوصية لبنان وتعدّديته. أمّا مسألة نزع سلاح الحزب فإنّ لبنان سوف يبحثها في الوقت المناسب وعلى طاولة الحوار الداخلي وليس في جامعة الدول العربية أو في أي مقرّ آخر أو منظمة أخرى.
وإذا كانت المملكة قد سمحت للحريري وعائلته بالذهاب من الرياض الى باريس بهدف أن تُزيل عنها تهمة احتجاز رئيس حكومة دولة أخرى وإجباره على تقديم استقالته، ما يُناقض اتفاقية فيينا، ويُعتبر تدخّلاً سافراً في شؤون بلد عربي شقيق وعضو في الجامعة، على ما رأت الأوساط نفسها، فإنّ لبنان قام بمواجهة سياسية استباقية من خلال احتواء الأزمة والحفاظ على وحدته الوطنية والالتفاف حول رئيس حكومته الى حين عودته الى بلاده من دون أي شرط أو قيد ليُقرّر ورئيس الجمهورية ما هو مناسب للبلاد في المرحلة القادمة، وسيُواصل التشديد على مواقفه المبدئية رفضاً لأي مسّ سياسي بلبنان من دول الخارج يؤدّي الى المسّ باستقراره أو أمنه الذي هو خط أحمر.