Site icon IMLebanon

لبنان أمام اسبوع سياسي صعب ومواقف حادة

الجمهورية تواجه طروحات متباينة الأهداف

والثنائيات الطائفية في مأزق التفسيرات

يبدو لبنان أمام اسبوع صعب، يمتد طوال الأسبوع الأول من شهر ايلول، انه اسبوع الغضب في جمهورية الثأر الباحثة عن رئيس جديد للبلاد. ولعل المواقف الأخيرة للرئيس نبيه بري، في تغييب سماحة الإمام موسى الصدر ورفيقيه قد حققت ثلاثة أغراض دفعة واحدة:

اولاً: ان رذاذ المواقف الحادة التي أطلقها في كل الاتجاهات، قد جعلت تيار المستقبل وهو اقوى تكتل نيابي في البلاد، يشعر بأن رئيس البرلمان استهدفه، كما استهدف ثاني أكبر تكتل، وهو التيار الوطني الحر وكرس قوته داخل ثنائيته الشيعية مع حزب الله، من دون اهتزاز لمواقف كل فريق.

ثانياً: كان الرئيس نبيه بري جريئاً وصريحاً في آن، ساعة تنصّل من مزاعم جرى تسويقها عشية مهرجان صور، استنكاراً لتغييب الإمام الصدر، من دون أن يرمم الوحدة في المواقف، أو أن يكسر القالب مع الرئيس العماد ميشال عون.

ثالثاً: اشتداد المواجهة بين جمهورية العماد عون، وجمهورية العماد ميشال سليمان الذي استطاع ان يكسب معركة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي وزملائه العسكريين، وفي مقدمتهم رئيس الاركان والأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى.

ولعل وجود الرئيس سمير مقبل في منصبه كوزير للدفاع، أعطى الرئيس السابق للجمهورية، فرصة الانتصار عبر وزرائه الذين عينهم قبل انتهاء ولايته.

باختصار، برزت جمهورية الفراغ أقوى من جمهورية الإستئثار بالمواقع الأساسية في الدولة، وان كان على رأسها قادة كبار، لا يملكون الا الانتصار الأجوف في بلاد امعنت في الانهيار، وتجسد على رقعتها شعور غريب بالإنتماء الى وطن النجوم كما وصف الشاعر ايليا ابو ماضي، ببراعة وبلاغة لبنان المتسم بالعصمة والصمود.

ولا أحد يدري حتى الآن، لماذا تذكر القدامى جمهورية جبران خليل جبران، ودولة ميخائيل نعيمة، ولم يتذكروا الحرب الثلاثية بين الشيعة والسنّة والحرب بين الموارنة، والحرب بين التكفيريين وفي طليعتهم حرب داعش والنصرة واخواتهما والاقرباء.

قبل اقل من قرن بقليل، وقعت الحرب العالمية الثانية. وكان اقطابها السياسي البريطاني العجوز وانستون تشرشل في بريطانيا والجنرال شارل ديغول في فرنسا ولينين وستالين في روسيا، او في ما كان يسمى سابقاً بالاتحاد السوفياتي.

وكان الصراع كبيراً وخطيراً بين الاقطاب المذكورين والأقطاب المهزومين أودلف هتلر في المانيا وموسوليني في ايطاليا والجنرال الأميركي المستقل عن الآخرين دوايت ايزنهاور.

في تلك الحقبة سقط الاستعمار القديم برئاسة انطوني ايدن رئيس وزراء بريطانيا ونشأ الإستعمار الحديث بقيادة ايزنهاور ونشأ عند العرب قائد جديد اسمه جمال عبد الناصر رائد أول وحدة عربية ضمت مصر وسوريا في العام ١٩٥٨، لكنها ما لبثت ان تعرضت للإنفصال في مؤامرة رهيبة على يد المشير عبد الحكيم عامر الذي اعطاه عبد الناصر قيادة الجمهورية العربية المتحدة لكن المشير خطفته أهواء غريبة واستطاع العقيد حيدر الكزبري والعقيد موفق عصاصة القضاء على حلم الوحدة العربية والقادة السوريين التاريخيين من أمثال شكري القوتلي وناظم القدسي وابراهيم هنانو وخالد العظم وأديب الشيشكلي، وغرقت سوريا في جحيم الإنقلابات العسكرية.

في العام ١٩٥٨ كان لبنان يشهد أكبر حرب في تاريخه وتردد ان الرئيس كميل شمعون طلب مساعدة اميركا، للإطاحة بوحدة مصر وسوريا، لكن الأميركان لم يتحركوا الا عندما وقع الإنقلاب العسكري في العراق، وأطاح العقيد عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف بنظام نوري السعيد في بغداد، ثم وقعت خلافات ضارية بين الوحدويين الناصريين ونظام عبد الكريم قاسم لمناصرة الشيوعيين وعبد الكريم مهداوي، الا ان الصراع بين أهل البيت قضى على الامال الوحدوية المناصرة للمارد العربي جمال عبد الناصر.

جمهورية لا تخيب

في العام ١٩٥٨ وما بعده، عرف لبنان الحكم الأول داخلياً وعربياً، واتفق الرئيس الأميركي الجنرال دوايت ايزنهاور والرئيس المصري البكباشي جمال عبد الناصر، على انقاذ لبنان من حرب أهلية دامت ثمانية اشهر بين أنصار الرئيس كميل شمعون ومعارضيه من الناصريين، على أن يتولى قائد الجيش اللبناني فؤاد شهاب رئاسة الجمهورية.

يومئذ عقد اجتماع الخيمة عند الحدود اللبنانية – السورية بين اللواء الأمير فؤاد شهاب والرئيس المصري جمال عبد الناصر بوصفه رئيساً لمصر وسوريا معاً.. كان مع فؤاد شهاب الرئيس حسين العويني، ومع الرئيس عبد الناصر العقيد عبد الحميد السراج الذي اقترح ان يتقدم فؤاد شهاب صوب الرئيس عبد الناصر ويرحب به، الا ان الرئيس اللبناني وقف في مكانه وقال عبارته الشهيرة، هو بكباشي وأنا جنرال، فليأت البكباشي الى مصافحة الجنرال والترحيب به. وهكذا كان، واتفق الرجلان على أن يتولى فؤاد شهاب الوحدة اللبنانية الداخلية وان يتحمل عبد الناصر مسؤولية عدم التآمر العربي والدولي على لبنان.

وهكذا نعمت البلاد اللبنانية باستقرار سياسي لم تعرفه سابقاً، الا ان الحكومة الاولى التي تألفت برئاسة رشيد كرامي، وقعت في غلطة تاريخية اذا ضمت وزيراً من بكفيا هو المحامي يوسف السودا، في ظل زعيم بكفيا الشيخ بيار الجميل.

وهكذا قامت ردة هوجاء ضد تلك الحكومة، الا ان العميد ريمون اده زعيم الكتلة الوطنية، أوفد رسولاً الى الرئيس فؤاد شهاب، يقترح عليه، تأليف حكومة رباعية تضم الرئيس رشيد كرامي وحسين العويني عن المسلمين وريمون إده وبيار الجميل عن المسيحيين، وكانت اقوى وزارة عرفها لبنان، بعد احداث العام ١٩٥٨.

الا ان الرئيس فؤاد شهاب لم يتفاهم مع السياسيين، واضطر الى تقديم استقالته أكثر من مرة، لكنه كان يعود عنها، بعد تعاظم ضغوط السياسيين عليه للبقاء في الحكم.

والمشهور عنه انه رفض مراراً قبول فكرة التمديد له، أو ترشيح احد افراد عائلته الشهابية نيابة عنه. الا انه في العام ١٩٦٤، اختار وزير التربية في حكومة عبد الله اليافي شارل حلو لرئاسة الجمهورية.

الا ان تلك الحقبة عرفت صراعاً مريراً بين الشهابيين عقب الإنقلاب العسكري الفاشل الذي قاده الحزب السوري القومي الإجتماعي، وبين الرئيس حلو الذي كان الشهابيون يريدونه البديل من فؤاد شهاب، الا ان ذلك الخلاف مهد الطريق لفوز الوزير سليمان فرنجيه برئاسة الجمهورية في العام ١٩٧٠.

لم ينجح سليمان فرنجيه في تأليف حكومة سياسية نظراً لاصرار العميد ريمون اده على تأليف حكومة مناهضة للشهابيين. الا ان الرئيس فرنجيه لم يجاره في ذلك، فعمد الرئيسان سليمان فرنجيه وصائب سلام الى تأليف حكومة الشباب وضمت خليل ابو حمد وزيرا للخارجية باقتراح من الرئيس شارل حلو وكان وزيراً ناجحاً في قيادة الدبلوماسية اللبنانية في الداخل والخارج.

وفي العام ١٩٧٤، اختارت القمة العربية ان يذهب الرئيس سليمان فرنجيه الى الأمم المتحدة ليرئس وفداً لبنانياً في دولة فلسطين مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، فوقف عرفات للمرة الاولى على منبر الأمم المتحدة، يدعو العالم الى الإختيار بين البندقية الفلسطينية وغصن الزيتون.

الا ان الفلسطينيين غرقوا في الاوحال اللبنانية واساءوا التصرف مع الشعب الذي حماهم ودافع عنهم.

تغييب الإمام الصدر

وهذا ما جعل سماحة الإمام موسى الصدر يسعى مع الرئيس الجزائري هواري بومدين الى دعوة العميد معمر القذافي الى العاصمة الجزائرية، بغية اقناع الفلسطينيين بعدم احتلال الجنوب اللبناني، قبل ثمانية وثلاثين عاماً، بغية الضغط دولياً على اسرائيل لتكف عن تدمير المدن الجنوبية.

ذهب الإمام موسى الصدر الى ليبيا ومعه اثنان من رفاقه ولم يغادر العاصمة الليبية، وبقي اختفاؤه لغزاً عند الشعب العربي الذي آمن بدور سماحة الإمام، ونبل مساعيه.

وكان الخطاب الأخير، للرئيس نبيه بري اشارة واضحة الى اتهام الرئيس الليبي باخفاء الإمام موسى الصدر وتغييبه مع رفيقيه الشيخ حسن يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.

كان الوفد اللبناني يومذاك قد جمع أوراقه، وتحضر لمغادرة ليبيا، لكن سماحة الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ حسن يعقوب والصحافي عباس بدر الدين لم يعرف عنهم شيء.

ويروي الرئيس نبيه بري، وقائع مرحلة اختفاء الإمام الصدر، من كتاب أعده الزميل نبيل هيثم بعنوان: اسكن هذا الكتاب، فيقول ان الإمام الصدر طرح فكرة زيارته لليبيا في منزل الرئيس حسين الحسيني في خلدة، الا انه لم يلق حماسة في بادئ الأمر، لأن وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام نصحه بصرف النظر عنها، لكن الإمام الصدر أصر على السفر، بعدما تلقى نصيحة من الرئيس الجزائري هواري بومدين، نظراً الى العلاقات الوثيقة لهذه الدولة بالحركات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، ويضيف بري: ظل الإمام مصراً على السفر. وكان القرار في بداية الأمر، ان ارافقه، لكنني توجهت الى الإمام متمنياً عليه أن يعفيني من السفر، وقلت له اتمنى ان تسمح لي بان اذهب لزيارة عائلتي، لانني لم أر اولادي منذ العام ١٩٧٦، وليسافر بديل عني. لذا تقرر ان يذهب مكاني الشيخ محمد يعقوب اضافة الى مالك بدر الدين، لكن هذا الاخير كان يشكو من ديسك في ظهره، تحرك عليه الوجع قبل يومين من السفر، ما الزمه الفراش، ولم يعد يقوى على النهوض، فتقرر ان يذهب مكانه الصحافي عباس بدر الدين، وسافر الإمام ورفيقاه بعد ذلك الى ليبيا.

ويتابع: قبل خمسة أيام من سفر سماحة الإمام ورفيقيه، سافرت الى الولايات المتحدة للإطمئنان على عائلتي في ديترويت، واستمرت زيارتي لعائلتي نحو اسبوع، انتقلت بعده من ديترويت الى نيويورك، بيد ان محمد مهدي شمس الدين وحسين الحسيني اتصلا من لبنان يريدان الكلام معي في أمر ضروري وتحادثت مع الحسيني الذي لم يكن يعرف انني في نيويورك، فسألته: ما الأمر، فاخبرني بان الإمام مفقود. ولا أثر له او لرفيقيه. وقال لي: ما دمت في ديترويت نتمنى عليك ان تذهب الى نيويورك، وحاول مع السفير اللبناني كشف مصيره.

وهكذا، تم تغييب سماحة الإمام ورفيقيه، لكن الأحداث في العالم تتركز اليوم حول من سيكون الرئيس الأميركي المقبل، دونالد ترامب، الجمهوري، ام المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون؟

وترامب يشغل العالم أكثر مما تشغله هيلاري، باعتبار ان الاول يتسم بالغموض وان الثانية كانت وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية في الولاية الاولى للرئيس باراك أوباما.

هناك سؤال يطرحه المراقبون: ماذا يعني نووياً ان يصبح ترامب رئيساً للولايات المتحدة.

للإجابة على هذا السؤال الخطير، لا بد أولاً من التأكيد على الامر التالي، وهو انه اذا شعرت الولايات المتحدة، بانها تواجه خطر هجوم نووي، فإن على الرئيس الأميركي، ان يقرر خلال دقائق، ما اذا كان الخطر حقيقياً أو وهمياً.

ويقول المراقبون انه اذا ما تبيَّن ان الخطر حقيقي، فإنه يعطي الأمر بالرد الفوري، ويتضمن الامر اطلاق ٩٢٥ رأساً نوويا، جاهزة على منصاتها، لها قدرة تدميرية تبلغ ١٧٠٠٠ مرة القنبلة التي القيت على هيروشيما في اليابان.

وبموجب النظام السياسي العسكري الاميركي، فان قرار الرئيس غير قابل للنقض. أو للمراجعة. ذلك، ان للرئيس وحده حق الامر باستخدام السلاح النووي.

في شهر آذار الماضي، سئل دونالد ترامب: اذا تعرّضت الولايات المتحدة لهجوم عدواني من داعش، فهل تبادر الى استخدام السلاح النووي. فرد قائلاً: انني لا أستبعد أي ورقة على الطاولة.

وهنا، لا بد من الاشارة الى ان الدستور يعطي الكونغرس الاميركي وحده حق اعلان الحرب على أي دولة. وخلافاً لذلك فان الرئيس الاميركي وحده، ومن دون العودة الى الكونغرس، هو الذي يتخذ قرار الحرب النووية، والسبب في ذلك، هو ان الامر من الخطورة بحيث لا يسمح الانتظار.

في العام ١٩٨٠، تلقى زبغنيو بريجنسكي، وكان مستشاراً أميناً للرئيس جيمي كارتر، اتصالاً طارئاً، في وقت مبكر جداً من الصباح، من رئاسة الاركان، لإبلاغه بان الولايات المتحدة تتعرض لهجوم نووي، وان شاشات المراقبة الإلكترونية كلها، تشير الى بدء الهجوم وتؤكده. طلب بريجنسكي مزيداً من المعلومات والتفاصيل، وبسرعة جاءه الجواب، بان مصدر الهجوم ليس الغواصات في المحيط الهادئ فقط، ولكن وابلاً من الصواريخ العابرة للقارات، والمحملة بالرؤوس النووية اطلقت فعلاً وهي في طريقها الى المدن الأميركية.

وفيما كان بريجنسكي يتصل بالرئيس كارتر لايقاظه من النوم، لاصدار الأمر بالرد النووي، جددت رئاسة الاركان الإتصال بالمستشار بريجنسكي لتخبره ان كل ما في الأمر خطأ تقني في الكمبيوتر، وان هذا الخطأ هو الذي أوحى بصدور الإنذار بالهجوم. في ذلك اليوم، لم يعرف الرئيس كارتر بالأمر الا في اليوم التالي. وفي التقديرات العلمية، فان القذائف النووية التي قد تطلقها غواصات معادية، باتجاه واشنطن، تحتاج الى ١٢ دقيقة فقط، للوصول الى اهدافها. اما الصواريخ العابرة للقارات، فانها تحتاج الى نصف ساعة للوصول، من هنا السؤال الذي وجه الى دونالد ترامب، عن رد فعله، اذا ما تعرضت الولايات المتحدة الى عدوان من داعش.

وفي المعلومات ان الترسانة النووية لا تقتصر على الولايات المتحدة وروسيا فقط، فهناك تسع دول تملك ١٦ ألف رأس نووي، وتملك كل من روسيا وأميركا سبعة آلاف رأس نووي. ولا يعرف بالضبط عدد الرؤوس التي تملكها الصين.

أما الدول الأخرى، وهي كوريا الشمالية والهند وباكستان فانها لا تملك فقط ترسانتها النووية الخاصة بها، ولكنها ترفض حتى الآن التوقيع على معاهدة منع هذا السلاح التدميري.