IMLebanon

لبنان إلى طاولة تقرير مصير سوريا: مفارقة تعويض النقص لبلد مصيره معطّل!

ارتاحت بعض الاوساط اللبنانية لدعوة لبنان الى اجتماع فيينا الذي عقد الجمعة الماضي للبحث في الحرب الاهلية السورية ومحاولة ايجاد حل لها. احب البعض ادراج هذه الدعوة التي صادف انها جمعت الدول المجاورة لسوريا والتي تلقت تداعياتها في اطار ترضية معنوية لبلد يتلقى انعكاسات الحرب في سوريا ومن حقه ان يكون حاضرا الى طاولة المباحثات من اجل ان ينقل معاناته خصوصا حيال العدد الكبير من اللاجئين السوريين والمخاطرالمتعددة التي تتهدده نتيجة لذلك. ولعل المشاركة تشفي غليلا قديما لدى غالبية اللبنانيين ان يكون مجرد حضور لبنان الى الطاولة للبحث في مصيرسوريا في الوقت الذي تحكمت لأكثر من ثلاثة عقود بمصيره على كل الطاولات والمباحثات الجماعية والثنائية بغض النظر عن قدرته على التأثير ام لا. اذ ان الرئيس بشار الاسد لم يتحمل ان يلتقي المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا بعض القادة اللبنانيين في طريقه الى دمشق ومنها عبر بيروت واعترض على ذلك بقوة لدى الاخير بذريعة ان مواقف بعض هذه القوى سلبي منه ويمكن ان يؤثر على نحو غير ايجابي في تقويم المواقف لدى المبعوث الدولي. ومع ان وزير الخارجية جبران باسيل يعتبر من اصدقاء النظام ما قد يلغي اعتراضه وربما يأمل البعض ان يكون في مكان ما صوتا داعما للمحور الروسي الايراني العراقي في الدفاع عن النظام والمطالبة ببقائه أو تمديد فترة استمراره في المرحلة الانتقالية ليس لمصلحة سوريا فحسب بل لمصلحة الاقليات ودول الجوار في مقابل الاصوات الكثيرة الاخرى التي تطالب في المقابل بتقصير هذه المدة، فإن مجرد وجود لبنان قد يستفز الاسد الذي لا يمكن ان يتصور ان يكون لبنان الجار الاصغر الذي لا يعتبره دولة مستقلة عنه طرفا مشاركا في مصيره ومصير سوريا. وان يذهب “حزب الله” الى اعتبار ان مشاركة لبنان في اجتماع فيينا هو “نتيجة المقاومة” ولولاها لما كان دعي ليكون عضوا في هذه المفاوضات انما يصب في خانة تظهير الدور الذي يتعين على خارجية لبنان لعبه في هذه الحال وليس اي دور آخر إذ عله يكون منتظرا من لبنان رفض طلب السعودية مثلا انسحاب الميليشيات التابعة لإيران من سوريا وفي مقدمها “حزب الله”. كما اضيفت عبر موقف الحزب من اجتماع فيينا وظيفة تبريرية جديدة لانخراطه في الحرب السورية بعد حماية حدود لبنان من الارهاب والدفاع عن القرى الشيعية أو المقامات الشيعية الا وهي انه وراء دعوة لبنان للمشاركة في اجتماع فيينا ما يجعل الحزب يتخطى دوره في الحرب الى جعله عاملا مشاركا في السلام أيضاً.

ففي مقابل هذا الارتياح لمنح لبنان مقعدا على رغم الفراغ الداخلي في مؤسساته الدستورية وعجزه عن معالجة أزمة النفايات وليس أزمة رئاسة الجمهورية فقط، ولعل هذا الواقع يرضي بعناوينه العريضة غرور اللبنانيين بان البلد لا يزال له موقع ودور من حيث المبدأ، الا ان هذا لا يلغي في المقابل ان لبنان لا يستطيع ولن يتمكن من ان يلعب الدور الذي يفترض ان يكون استفاد منه في ظل انشغال سوريا بحربها الداخلية وكذلك انشغال العالم العربي. فلم ير اللبنانيون جلسة لمجلس الوزراء منذ زمن بعيد تبحث في مسألة تتعلق بسياسة لبنان الخارجية كما لم يروا جلسة للجان النيابية المختصة أو لمجلس النواب أو اجتماعا وزاريا ثنائيا أو ربما رباعيا أو اكثر بقليل يجمع على نحو علني رئيس الحكومة ووزير الخارجية للاتفاق على الموقف الذي يتعين على لبنان ان يعتمده في الاحتمالات التي سترد على طاولة المفاوضات أو في حال اتيح للبنان ان يعبر عن رأيه أو موقفه. في حين ان لا سياسة خارجية نتيجة الاختلافات لا بل الانقسام العمودي في الرأي في موضوع الحرب السورية وكذلك الموقف الرسمي منها نأياً بالنفس أو مشاركة في الحرب الى جانب النظام، فإن لبنان لم يعد يعيش زمن غسان تويني أو فؤاد بطرس أو سواهما من رجالات السياسة الخارجية الكبار الذين يمكن ان يبلوروا موقفا تعبيريا عن أزمة لبنان وعن دوره وقدرته على لعب دور وسيط ربما أو مساعد وفق المواقف أو الاقتراحات التي يمكن ان تستجد في فيينا أو على هامشها. لا بل ان الهمس تصاعد في الايام الاخيرة عن ان رئاسة الحكومة فوجئت بما أعلنه وزير الخارجية عن مشاركة لبنان في مفاوضات فيينا في مؤتمر صحافي قبل تبليغه اليها على طريقة ممارسة كل فريق سياسة خاصة به من دون التزام الحد الادنى من مبادئ العمل الحكومي، ولكن مصادر رئاسة الحكومة تحدثت عن معرفتها بالدعوة وانها تبلغت ذلك من باسيل وجرى تداول الخطوط العريضة لموقف لبنان قبل توجه الاخير الى فيينا.

أحب البعض الاعتقاد ان لبنان ليس فقط أزمة نفايات ومعضلة عجز عن التوافق على رئيس للجمهورية وتعطيل مجلس الوزراء وهو اكبر من ذلك، لكن المفارقة انه يثير انفصاما عميقا لدى السياسيين اصحاب الارتياح من كل الجوانب لجهة ان يدعى لبنان الى مفاوضات تقرر مصير سوريا المجاورة فيما هو ينتظر تقرير مصير رئاسته في مفاوضات مماثلة أو ربما أقل بقليل من كل الحشد الدولي في فيينا رافضا ان يتولى بنفسه تدبير شؤونه وتقريرها في حين يشارك الدول في النمسا الدعوة الى ترك الشعب السوري يقرر مصير رئيسه.