IMLebanon

لبنان جرّب حكم سياسيين فاشلين وفاسدين هل يجرّب حكم اقتصاديين ناجحين ونزيهين؟

قرف الناس من السياسة ومعظم السياسيين وباتوا توّاقين الى حكم طبقة اقتصادية أثبتت نجاحها وقدرتها على الصمود في وجه الأزمات الأمنية والمالية والخلافات الحزبية والشخصية، وعلى إبعاد آفة الفساد عن القطاعات التي تديرها بحيث لم يعد في إمكان الدولة بمواردها المالية الضئيلة تنفيذ أي مشروع انمائي وحيوي من دون مشاركة القطاع الخاص.

الواقع أن المظلة الدولية التي حمت لبنان حتى الآن من امتداد النيران السورية اليه، وحماه وعي اللبنانيين وتوازن الرعب والخوف من فتنة داخلية، بات لا بد من حمايته من احتمال اختناقه جراء تنشقه دخان هذه النيران التي قد لا تستقر وتطول بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا واحتمال تعرّض المنطقة كلها لحرب باردة بين الجبارين الأميركي والروسي ومن معهما وقد تصبح ساخنة لا سمح الله.

لقد عطّلت المناكفات والمشاحنات السياسية والحزبية والشخصية عمل كل المؤسسات وبات الاقتصاد معرّضاً للخطر والنمو للتراجع المخيف. ولولا التطمينات التي يطل بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من حين الى آخر ليؤكد استمرار الاستقرار النقدي، وان الاجراءات المتخذة تجعل الأوضاع الاقتصادية والمالية والمصرفية تصمد في وجه الأزمات، لكان اليأس دبّ في قلوب اللبنانيين وجعلهم يحزمون امتعتهم ويهاجرون. وقد كشف تقرير أن لبنان حل في المرتبة 101 بين 140 دولة فأمسى الضعيف عالمياً لأن الفساد وسوء إدارة المرافق العامة أوصلاه الى هذا. كما أن لبنان احتل المرتبة 127 بين 140 بلداً فيما يتعلق بالثقة بالسياسيين، وصنّف في المركز 139 في ما يتعلق بالتبذير في الانفاق الحكومي، ما جعل الناس يفقدون ثقتهم بالسياسيين الذين عجزوا عن انتخاب رئيس للجمهورية وعن إقرار الموازنات العامة، كما عجزوا عن مكافحة الفساد ووقف الإهدار والحد من ارتفاع الدين العام وازدياد العجز في الموازنة، فسجلت مؤشرات الاقتصاد الأداء الأسوأ بسبب الوضع السياسي المأزوم وصراعات السياسيين وتجاذباتهم وخلافاتهم حتى على أتفه الأمور، ما سبّب تراجعاً في النمو الذي كاد يبلغ الصفر لولا مصرف لبنان الذي يستمر في دعم الاقتصاد والنمو عن طريق الحزم المالية التي يضخها في القطاع المصرفي ليظل قادراً على دعم القطاعين العام والخاص. وأكد حاكم مصرف لبنان أن لدى القطاع المصرفي مبالغ بحوالى 20 مليار دولار جاهزة للتسليف، وأن هناك توقعات لنمو النشاط في القطاع المصرفي بحوالى 6 الى 7 في المئة، مشيراً الى وجود معالجات بالنسبة الى الديون بين المصارف والزبائن، وأن لدى مصرف لبنان والقطاع المصرفي القدرة على المحافظة على استقرار سعر صرف الليرة، لكن الوضع الاقتصادي يعاني تراجعاً في الحركة التجارية. وفي المقابل أكد عدد من أصحاب المصارف أن هذا القطاع يتمتع بالصلابة والمثابرة على نشاطه وعلى نمو مستدام واستقرار في تحسين التسليفات، وتوقعوا نمواً ايجابياً للاقتصاد لأن حوافز المصرف المركزي حرّكت التسليفات ومكّنت المصارف من الاستمرار في تمويل الاقتصاد والحد من توسّع اقتصاد الظل بفضل الاستقرار الضريبي، بحيث بات القطاع المصرفي يشكل ركيزة أساسية للاستقرار في لبنان.

لكن بعض المراقبين يخشى أن يدخل لبنان مرحلة شديدة الخطورة في السنة المقبلة في حال عدم حصول اختراقات سياسية ايجابية واستمرار الوضع السياسي على ما هو من تأزم، واستمرار تداعيات الأزمة السورية على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية في لبنان، اذ ان تفاقم أزمة الركود الاقتصادي وتراجع المؤشرات الاقتصادية ومعاناة القطاعات التجارية باتت تهدد مصير مؤسسات تجارية وصناعية وسياحية كثيرة ومعها آلاف الموظفين والعمال، ما قد يجر البلاد الى انفجار اجتماعي وثورة جياع.

لذلك بات من الضروري وضع حد للعبة طبقة سياسية لمصالح ذاتية أو خارجية في تعطيل مؤسسات الدولة، بحيث يتفاقم حجم الدين العام في ظل حكومة لا تعمل ومجلس نواب معطل ولا رئيس جمهورية في البلاد ولا إقرار للموازنة العامة في انتظار المجهول الآتي من سوريا بعد التدخل العسكري الروسي الذي قد يدخل المنطقة في المجهول، ما قد يجعل الحل متعذراً مع طبقة سياسية جرّبها اللبنانيون عقوداً من الزمن فأثبتت فشلها وفسادها، وبات لا بد من تجربة حكم طبقة اقتصادية اثبتت نجاحها في إدارة قطاعاتها الخاصة، وقد تكون ناجحة أيضاً في إدارة القطاعات العامة، فلا يكون فيها فساد ولا إهدار أموال. ولو أن الحكومة الحالية كانت حكومة اقتصاديين واختصاصيين لكانت حكومة منسجمة ومنتجة وليس مثل الحكومة الحالية، وهي حكومة أضداد لا اتفاق بين أعضائها حتى على أولويات الناس ولا سيما حل أزمة النفايات، ولا كان خلاف على بدعة “الشراكة الوطنية”، بل كان كل وزير شريكاً عن الكل ومع الكل، وكان استقرار سياسي دائم يحمي الاستقرار الأمني والاقتصادي، ولكانت حكومة من غير السياسيين نجحت في جعل مجلس النواب ينتخب رئيساً عاقلاً للجمهورية، مشهوداً له بالخبرة والاستقامة ويستطيع استعادة هيبة الدولة والشفافية الى كل المؤسسات.