على الرغم من أهمية الاتفاق النووي التاريخي بين الدول الكبرى وإيران وانعكاساته على الصراعات القائمة في مختلف أنحاء المنطقة.. إلا أن مرحلة جديدة في الصراع الإسرائيلي – الإيراني قد بدأت، حيث أن إسرائيل لن ترضى بوجود لاعب أساسي آخر في المنطقة، وبالتالي سوف تضغط بكل قواها السياسية والاستخباراتية للحد من الغزل الأميركي – الإيراني الحاصل، حتى لا يتجاوز المصلحة الآنية الأميركية في توكيل إيران بتنظيف المنطقة في العراق واليمن وسوريا وتحضير الأرضية المناسبة للشرق الأوسط الجديد، بغض النظر عمّا اذا كان الهدف يتطلب دعماً للأنظمة أو للحركات الانقلابية فيها، طالما أن الغاية تبرّر الوسيلة.
أما المتفائلون بهذا الاتفاق فهم: إما الإيرانيون أنفسهم أو حلفاؤهم. والتفاؤل الداخلي الإيراني يبرره وضع اقتصادي أصعب من صعب عانت منه البلاد والعباد لفترة طويلة نتيجة للعقوبات المالية المفروضة والتي أدت إلى تضخم يفوق 40٪ وتدني بالعملة المحلية إلى أكثر من 60٪ وبطالة تجاوزت الـ22٪.. ولكن يبقى السؤال: هل ستصرف هذه الأموال، والتي تقدر بـ160 مليار دولار في استثمارات داخلية لإنعاش الاقتصاد، أم ان التفاؤل سيقتصر على الحلفاء بما أن هذه الأموال ممكن أن تتوجه نحو القنوات الخارجية لتأجيج الصراعات في الشرق الأوسط والخليج العربي وتمويل الحركات الانقلابية التي تهدد استقرار المنطقة برمتها؟
وأين لبنان من الصراع الإسرائيلي – الإيراني، الذي يستثمره الأميركي لمصالحه الخاصة والذي ما انفك يذكر أن الحرب في سوريا طويلة الأمد والقضاء على داعش سوف يتطلب جهوداً جبارة وأموالاً طائلة لسنوات عديدة قادمة.. مما يعني استنزاف جديد للميزانيات العربية والثروات النفطية التي تدنت ايراداتها بسبب انخفاض سعر النفط العالمي، أولاً بعدما وضعت داعش يدها على آبار عديدة في العراق وسوريا وباعت البرميل منه بعشرين دولاراً فقط مما أدى إلى التلاعب بأسعاره العالمية وانهيارها، وثانياً بعدما اتسعت المساهمة العربية في تمويل الحروب ضد الإرهاب حفظاً لأمن مجتمعاتها.
عودة إلى حلفاء إيران في لبنان، يبقى رهانهم على تطوّر الدور الإيراني، وبالتالي يبقى التعطيل أفضل خياراتهم لعباً بالوقت الضائع حتى يتم التسلم والتسليم بشكل تام فيحسم الكباش الداخلي.. أو يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وتبطل مفاعيل الغالب والمغلوب فيتم التوصّل إلى تسوية تحفظ توازنات لبنان الدقيقة وتضمن المشاركة الحقيقية بين الأفرقاء، تماماً كما يتوقع أن تكون المشاركة الإقليمية بين اللاعبين بشكل يحفظ توازنات المنطقة واستقرارها بأكمله.