ما بين جلسات حكومية (إحداها امس) غارقة في معالجات عقيمة للملفات الخلافية المتراكمة، وما بين الحائط المأزوم الذي يقف في وجه رغبة رئيس المجلس نبيه بري في تفعيل البرلمان وتنشيط السلطة التشريعية، تنشغل البلاد مدى نحو شهر بالانتخابات البلدية والاختيارية، متناسية انه قبيل نهاية أيار المقبل، وتحديدا في الخامس والعشرين منه، يطوي كرسي بعبدا عامه الثاني فارغاً من شاغله وسط غموض غير بنّاء في مستقبل الموقع المسيحي الاول في لبنان.
ليس في الأفق اي معلم او معطى يشي بإمكان تجنيب البلاد استمرار الشغور الداخل في السنة الثالثة منه. وما عدا بعض الاقتراحات الفارغة من اي مستند دستوري او مبرر سياسي او أمني، على غرار الاقتراح الرامي الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً لسنتين، يبقى الملف الرئاسي في دائرة المراوحة في انتظار تطور انقشاع الرؤية حيال مستقبل المنطقة.
فالملف الرئاسي الذي عجز الداخل عن فصله عن التطورات الإقليمية، دخل اليوم في مرحلة سبات، كما يصفها مرجع سياسي، في انتظار إنجاز الانتخابات الرئاسية الأميركية. ذلك ان الادارة الأميركية تستنفد اليوم الوقت المستقطع في المرحلة الانتقالية حتى انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة.
وفي حين يستبعد مراقبون ان تخرج الادارة الأميركية عن سياستها حيال منطقة الشرق الأوسط بصرف النظر عمن يتبوأ موقع الرئاسة، يخالف المرجع هذه القراءة بالقول ان ثمة اختلافات كبيرة في السياسات المعلنة للمرشحين المحتملين للفوز بالبيت الأبيض حيال المنطقة وحيال استعادة واشنطن دورها وموقعها فيه خلافا لما كان عليه موقف إدارة الرئيس باراك اوباما.
ولعل هذا ما يتزامن مع موقف “حزب الله” الذي عبّر عنه بالامس القريب نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم عندما توقع ان تطول أزمة الرئاسة كثيرا، وان مرشح الحزب لا يزال العماد عون، مع ما يعنيه ذلك من استمرار لتعطيل نصاب الانتخاب. علما ان قاسم لم يتوقف عند الطرح الرئاسي الأخير الرامي الى انتخاب عون لسنتين، ولم يعبر عن رأي الحزب فيه.
والواقع ان إلهاء الوسط السياسي بهذا الطرح لم يعمّر كثيرا بقطع النظر عن مدى جديته، وحرص من روّج له على وضع حد للفراغ الرئاسي وتحصين الموقع المسيحي الاول في وجه محاولات اعادة انتاج نظام سياسي جديد للبلاد. ذلك ان مثل هذا الطرح دونه عقبات أهمها وأكثرها تعقيدا الحاجة الى تعديل دستوري.
ويقول المرجع السياسي ان مثل هذا التعديل دونه محظوران: الاول انه يضرب التفاهم السياسي الذي حصل على طاولة الحوار الوطني في شأن رفض تعديل الدستور، وكان ذلك بهدف قطع الطريق امام وصول قائد الجيش العماد جان قهوجي الى سدة الرئاسة، علما ان تعديلاً كهذا يضرب كذلك حظوظ حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، احد المرشحين الجديين.
اما المحظور الثاني فيكمن في ان اي تعديل مماثل يفتح الباب واسعا ويعجل في الطرح الرامي الى تعديل أوسع للدستور، خصوصا ان مثل هذا الطرح يجري طبخه على نار هادئة، وأحد ابرز مكونات نجاحه ضرب هيبة الدولة وشل مؤسساتها وصولا الى الانحلال التام.
وفي حين أمكن تلقف الطرح الرئاسي وقطع دابره بعدما ادرك مخاطره اكثر من فريق سياسي لحسابات مختلفة، بدت الساحة الداخلية عرضة لهشاشة سياسية وأمنية واقتصادية ومالية لا يخفي المرجع نفسه خشيته من مخاطرها.