الكباش الاقليمي والتدخل الروسي في سوريا يطغيان على اي كلام لبناني داخلي. ومخاوف متجددة من جنوح الوضع الداخلي نحو المزيد من التشنج
الحديث الوحيد في لبنان، في الايام الاخيرة، استكشاف ابعاد التدخل الروسي في سوريا، ومدى انعكاسه على تطورات الوضع الداخلي، في ضوء تقاطع الاتصالات والادوار الاقليمية مع ما ترسمه روسيا لسوريا ومستقبلها، وما يريده معارضو الرئيس بشار الاسد الاقليميون والدوليون. فما يجري حالياً من تغيير في المشهد الاقليمي مقدمة كبيرة لكلام قد يكون جديداً، من العراق الى سوريا ولبنان، ولكل من الدول التي اصبح لها وجود فاعل في سوريا، دورها في قول هذا الكلام.
تبني أوساط سياسية مطلعة قراءتها ومعلوماتها عن التدخل الروسي العسكري والضربات التي تفاوتت المعلومات حول حقيقة الاهداف التي قصفت، على اساس مراقبة روسيا الدقيقة لتطورات الوضع العسكري، والمتغيرات التي لحقت بالجغرافيا والديموغرافيا السوريتين، اذ تركت روسيا مهمة ترتيب حل للوضع السوري لطهران التي عملت عليه على ايقاع المفاوضات النووية، فيما كانت ايضا تكثف وجودها وتدخلها في سوريا. وعملت، بتشجيع اميركي، على ضم الدول العربية، بعد انجاز الاتفاق النووي لترتيب يسبق التسوية او الحل النهائي. لم تنجح ايران بجر السعودية الى هذا المسار، بعدما طلبت الأخيرة ثمناً كبيراً في العراق وسوريا ولبنان لم تبد طهران استعدادها لدفعه في الساحات الثلاث.
روسيا حريصة على تمييز مطالبها عن الاهداف الايرانية
بل حاولت، في المقابل، اللعب على الوقت لتأخير الدفعات المستحقة عليها، مع تعزيز الحضور مباشرة او عبر حزب الله، مراهنة في الوقت نفسه على الدور الاميركي الذي حيد نفسه كاملا عن التدخل في معمعة سوريا لايجاد تسوية شاملة لها.
تركت ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما وضع الشرق الاوسط بين ايدي دوله، الامر الذي استفاد منه الايرانيون بطريقة اسرع مما استفادت منه الدول العربية. الا ان هذه تمكنت من استخدام سلاح التعطيل في وجه اي محاولة لايجاد حل سياسي مع وجود الرئيس بشار الاسد. والنغمة التي سمعت في الايام الاخيرة حول امكان قبول الرئيس الاسد للمرحلة الانتقالية، والتناقض الذي طغى احيانا على تصريحات مسؤولين وديبلوماسيين غربيين في دولة واحدة، حسمه الرئيس الاميركي في خطابه امام الجمعية العمومية للامم المتحدة، لتكر من بعده سحبة الرافضين لبقاء الاسد. هذا الانقلاب في المواقف، مع رفض ايران دفع ثمن مرض لبقاء الاسد في دائرة التفاوض حول المرحلة الانتقالية، ارتدّ فجأة تغييراً في المواقف الاقليمية وتشدداً بلغ حده، مع حادثة منى وما تلاها من ردود فعل عنيفة من جانب السعودية وايران على السواء. وما كان قد صدر من مؤشرات قبل عيد الاضحى عن احتمال عقد لقاءات ديبلوماسية بين الطرفين على هامش اجتماعات نيويورك تبخر بعد الحادثة. ولعل ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ورد الرئيس سعد الحريري ومن ثم السفير السعودي علي عواض العسيري وبياني كتلتي المستقبل وحزب الله، احد اوجه هذا التوتر الذي عبر عن نفسه في لبنان خطابيا، وانعكس في سوريا تشددا قد يكون اكثر من ذي قبل في رفض السعودية بقاء الاسد في سوريا، وفي المقابل تمسك ايران به.
صحيح ان التدخل الروسي في سوريا سبق تجدد الكباش الاقليمي، بعدما رأت موسكو ان تعثر الترتيب الايراني سيؤدي تلقائيا الى تدهور اوضاع سوريا العسكرية ما دفعها الى التدخل السريع لانقاذ النظام من الانهيار وتعزيز وجودها، الا ان روسيا، اضافة الى سعيها الى ابقاء مظلتها لدعم اي تجدد في الاتصالات الثنائية بين الرياض وطهران، حريصة على تمييز مطالبها عن الاهداف الايرانية. يخطئ من يعتقد، بحسب هذه المصادر، ان يكون الدور الروسي والايراني متكاملين في سوريا، او أنهما موحدان تحت سقف اهداف واحدة. فايران تحاول تثبيت مواقعها وما حققته من نفوذ في العراق وسوريا ولبنان، وروسيا لها حسابات اخرى مختلفة تماماً من جورجيا الى اوكرانيا واسعار النفط. والاثمان الايرانية من اي ترتيب اقليمي تختلف تماماً عن الاثمان الروسية.
فروسيا الحريصة على استعادة دورها في المنطقة لا تريد تخريب علاقاتها مع اي من الدول فيها، وهي استقبلت مسؤولين اسرائيليين واتراكاً وفلسطينيين، وهي على اهبة استقبال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. واذا كان اللقاء مع الرئيس الاميركي لم يخض في وضع سوريا وحده، بل تناول جملة ملفات وازمات، يتقاطع فيها الدوران الروسي والاميركي، فان اللقاء المرتقب مع العاهل السعودي من شأنه ايضا ان يرسم اطاراً جديداً للعلاقات الثنائية بينهما (اقتصادياً وعسكرياً) وقراءتهما لوضع سوريا. علما ان موسكو تحاول طمأنة الرياض في اكثر من نقطة، في اطار تعاطيها مع مستقبل الاسد، وضرب التنظيمات الارهابية، وآخر ما عكسته في مقاربتها لوضع «الجيش السوري الحر». وهي بقدر ما تطلب اثمانا من الدول الغربية تعمل ايضا على حماية ظهرها اقليميا ودوليا. الامر الذي يجعلها تساوم في لحظات حساسة وفي اماكن دقيقة وعبر تسويات مرحلية، قد تختلف تماما عما تريده ايران.
في الوقت المستقطع الحالي، الذي يفصل بين ذهاب سلمان الى موسكو، وانكشاف ما تذهب اليه العلاقة السعودية ــــ الايرانية، وتبيان مقدار ما سيتركه التدخل الروسي المباشر من انعكاسات عسكرية وسياسية، يتردد صوت الكباش الاقليمي المتجدد في لبنان. ومخاوف الاوساط السياسية من ان يكون انقلاب المواقف والتشدد في تسويات سياسية ظرفية، كان يمكن ان تنجح منذ اسابيع، مقدمة ايضاً لتشنجات قد لا تبقى سياسية فحسب، لأن هذا الضجيج لا يخفي توتراً حول قضايا وتفاصيل صغيرة، بل هو اظهر الى السطح كل ما كان مستوراً منذ تأليف الحكومة بسحر ساحر وانطلاق اللقاءات الحوارية الثنائية على كافة الجبهات.