من المفارقات اللافتة أن ترفع سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت شعار لبنان يجمعنا، وأن ترفع الطبقة السياسية في المقابل شعار لبنان يفرّقنا حول قانون الانتخاب! غير أن العهد الجديد الذي جاء ليجمع لا ليفرّق، ليس من الوارد لديه أن يدوم هذا الفراق طويلا بين اللبنانيين، لا حول قانون الانتخاب ولا سواه… ولكن كيف؟ الموقف الأخير الذي أعلنه العماد الرئيس ميشال عون أحدث التباسا في التفسيرات عندما قال ما معناه انه اذا لا بد له من الاختيار بين التمديد لمجلس النواب أو الفراغ لاختار الفراغ! وتفسير هذا الموقف ينبغي ألاّ يتوقف عند أخذه بسطحية المعنى، وليس بمضمون الفكر السياسي لقائل هذا الكلام…
***
ذلك أن الفراغ لا يمكن أن يكون خيارا حقيقيا وواقعيا لعهد ولد من الفراغ وعانى منه وكابد ويلاته قبل الولادة! وقد استمرت معضلة الاتفاق على قانون جديد للانتخاب لنحو ثماني سنوات من المراوحة والمراوغة والتحايل، وتحوّلت مع الوقت، الى عقدة متعاظمة تعترض مسيرة نهوض لبنان، وتجعل نظامه السياسي مستعصيا على الاصلاح والتغيير! ولا بد إذن من كسر هذه العقدة اذا تعذرت فكفكتها بالصبر واللين. وليس من المستبعد أن يكون العهد نائما على مشروع انتخابي يحمل في طيّاته انتقالا نوعيا بدرجة ما الى الأمام، بحيث يضمن حدّا معقولا من سلامة التمثيل والميثاقية في آن. وعندما يصل الآخرون الى طريق مسدود فان العهد سيعمل على وضعهم أمام الخيار الصعب الذي لا بد منه: إما هذا القانون الجديد، واما الفراغ الذي أشار اليه في مقولته السابقة…
***
يغرق السياسيون في لجّة تفاصيل قانون الانتخاب. ويتحدثون بين حين وآخر عن المؤثرات العربية والاقليمية على الداخل اللبناني، حاضرا ومستقبلا. ولا يزال الحديث نادرا عن المؤثرات الخارجية والدولية، لا سيما مع انبثاق عهد جديد في الدولة الأعظم الولايات المتحدة الأميركية، ورئيسها الضبابي المثير للجدل دونالد ترامب. وهذا الرئيس الذي وصل الى البيت الأبيض ب فلتة شوط حمل للعالم معه في فترة اقلاعه خبرين: الخبر الجيّد هو انه يبادر على الفور الى تنفيذ ما وعد به. والخبر السيّئ هو أن ما وعد به، ملامحه كارثية! ولم يحتل لبنان حتى الآن موقعا واضحا وصريحا على لائحة اهتمامات زعيم العالم… ولكنه ورد بشكل مستتر وضمني وغامض في اطار ما أعلنه ترامب أخيرا عن عزمه على توقيع مسودة أمر تنفيذي بتوجيه وزارتي الخارجية والدفاع لوضع خطة خلال تسعين يوما لتوفير مناطق آمنة في سوريا وفي المنطقة المحيطة…!
***
يرد ذكر لبنان ضمنا في ثنايا عبارة المنطقة المحيطة ومن زاوية محددة تتعلق بالنازحين السوريين! هذا على اعتبار أن لبنان هو في عداد دول الجوار التي تضم عددا كبيرا جدا من النازحين السوريين! غير أن لهذه العبارة تتمة مقلقة، وبخاصة للبنان، عندما تضيف المسودة ان الهدف من المنطقة الآمنة هو اما اعادة النازحين الى بلادهم، واما اعادة توطينهم في بلد ثالث! وهذا هو الموضوع الحقيقي الذي ينبغي أن يقلق السياسيين والعهد الجديد معا… فماذا أنتم فاعلون؟!